للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها النهي عن التعدّي على النفوس والأموال والأعراض، وعن الغضب والظلم، وكل ما هو في المعنى إضرار وضِرار. ويدخل تحته الجنايةُ على النفس أو العقل أو النسل أو المال، فهو معنى في غاية العموم في الشريعة لا مراء فيه ولا شك" (١) اهـ.

فإن الأدلة المذكورة في كلام الشاطبي - وإن كانت كثيرة إلّا أنها - أدلةٌ جزئيّة. والدليل العام منها وهو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار" هو خبر آحاد وليس بقطعيّ النقل عن الشارع، لأن السنة غير المتواترة ليست قطعيّة المتن. وقد تقدّمت الإشارة إلى هذا في مبحث "طرق إثبات المقاصد الشرعية" (٢) من كتابنا هذا.

واعلم أن مراتب الظنون في فهم مقاصد الشريعة متفاوتةٌ بحسب تفاوت الاستقراء المستند إلى مقدار ما بين يدي الناظر من الأدلة، وبحسب خفاء الدلالة وقوتها. فإن دلالة تحريم الخمر على كون مقصد الشريعة حفظَ العقول عن الفساد العارض دلالةٌ واضحة. ولذلك لم يكد يختلف المجتهدون في تحريم ما يصل بالشارب إلى حدِّ الإسكار.

وأما دلالة تحريم الخمر على أن مقصد الشريعة سدُّ ذريعة إفساد العقل، حتى نأخذ من ذلك المقصد تحريم القليل من الخمر، وتحريم النبيذ الذي لا يغلب إفضاؤه إلى الإسكار، فتلك دلالةٌ خفية. ولذلك اختلف العلماء في مساواة تحريم الأنبذة لتحريم الخمر، وفي مساواة تحريم شرب قليل الخمر. فمن غلب ظنه بذلك سوّى بينهما


(١) الشاطبي. الموافقات: (١) ٣/ ٧ = (٢) ٣/ ٧ - ٨ = (٣) ٣/ ١٦ - ١٧ = (٤) ٣/ ١٨٤.
(٢) انظر أعلاه: ٥٢ - ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>