للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هنا لطوله واختلاطه فإن شئت فانظره وتأمّله ثم اعرضه على ما ذكرتهُ لك هنا.

وجملة القول أن لنا اليقين بأن أحكام الشريعة كلها مشتملة على مقاصد الشارع، وهي حكم ومصالح ومنافع. ولذلك كان الواجب على علمائها تعرّفُ علل التشريع ومقاصده ظاهرها وخفيها فإن بعض الحكم قد يكون خفياً، وإن أفهام العلماء متفاوتة في التفطُّن لها. فإذا أعوز في بعض العصور الاطلاع على شيء منها فإن ذلك قد لا يعوز من بعد ذلك؛ على أنّ من يعُوزه ذلك يحقّ عليه أن يدعو نظراءه للمفاوضة في ذلك مشافهة ومراسلة، ليمكن لهم تحديد مقادير الأحكام المتفرعة من كلام الشارع. فإن هم فعلوا ذلك فاستمر عوزُ الكشف عن مراد الشارع وجب عليهم أن لا يتجاوزوا المقدار المأثور عن الشارع في ذلك الحكم، ولا يفرّعوا على صورته، ولا يقيسوا فلا ينتزعوا منه وصفاً ولا ضابطاً، لأن فوارق الأحوال المانعة من القياس تخفى عند عدم الاطلاع على العلة، ومن الفوارق مؤثر وغير مؤثر. وإذا جاز أن نثبت أحكاماً تعبّدية لا علّة لها ولا يُطلع على علّتها فإنّما ذلك في غير أبواب المعاملات المالية والجنائية. فأمّا هذان فلا أرى أن يكون فيها تعبّدي، وعلى الفقيه استنباط العلل فيها. ولذلك جزم مالك وأبو حنيفة والشافعي بالقياس على الأصناف الستة الربوية باستنباط علّة لتحريم ربا الفضل فيها، إلّا أن جميعهم إنّما استنبط لها علّة ضابطة، ولم يبينوا لها حكمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>