للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تأتي أحكام منوطة بمعان لم نجد لها متأوّلاً إلا أنّها أمور وهمية، مثل استقبال القبلة في الصلاة، ومثل التيمم، واستلام الحجر الأسود. فعلينا أن نثبتها كما هي، ونجعلها من قسم التعبّدي الذي لا يصلح للكون مقصداً شرعياً. أو نتأوّلها بما سنقول: وتأتي أحكام منوطة بما يمكن له تأويلٌ يخرجه عق الوهْم مثل طهارة الحدث، فنعالج بإمكاننا حتى نخرجه عن الكون وهْمياً. وتفصيل ذلك يجيء في القسم الثالث في المقاصد الخاصة (١).

واعلم أن الأمور الوهْمية وإن كانت لا تصلح للكون مقصداً شرعياً للتشريع، فهي صالحة لأن يستعان بها في تحقيق المقاصد الشرعية، فتكون طريقاً للدعوة والموعظة ترغيباً أو ترهيباً، كقوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} (٢)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" (٣).

فعلى الفقيه أن يفرق بين المقامين. فلا يذهب يفَرِّع على تلك المواعظ أحكاماً فقهية، كمن توهّم أن الصائم إذا اغتاب أحداً أفطر لأنه قد أكل لحم أخيه (٤). وقد تكون الوهْميات في أحوال نادرة مستعاناً بها على تحقيق مقصد شرعي حين يتعذر غيرها. ولعل ما ذكرناه من التيمم والاستقبال يرجع إلى ذلك، فلنتفطنْ له.


(١) ٣٩٧.
(٢) الحجرات: ١٢.
(٣) تقدم: ١١٣/ ١.
(٤) إيماء إلى قوله تعالى في التغليظ على الغيبة: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} الآية، الحجرات: ١٢، المتقدمة الذكر. تع ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>