للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- في الجاهلية - المتوفّى زوجها تلبس شر الثياب وتمكث في حفش، وهو بيت حقير، ولا تتنظّف ولا تتطيّب مدة سنة، فأبطل الإسلام ذلك بأن لا تلبس المصبوغ إلا الأسود ولا تتطيّب ولا تكتحل مدة أربعة أشهر وعشر.

ومن حكمة التغيير الحرصُ على المحافظة عليه، لأنّه يتطرّقه التساهل من طرفيه. فإن كان تغييراً إلى أشد تطرقه طلب التفصي منه، وإن كان إلى أخف تطرّقه توهم أن تخفيفه عذر للأمة في نقصه. فلذلك لم يرخِّص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمرأة السائلة عن اكتحال عيني ابنتها في عدّة وفاة من زوجها لعذر مرض عينيها، وقال لها: "لا لا (مرتين أو ثلاثاً) إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية تَرمي بالبعرة على رأس الحول". رواه مالك في الموطأ من حديث أم سلمة رضي الله عنها. قالت زينب بنت أبي سلمة: كانوا إذا مضى الحول أتوا للمرأة بدابةٍ حمار أو شاة أو طائر فتفتض به ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها (١). قال مالك: تفتض أي تمسح جلدها به كالنُّشرة (٢).

والمقام الثاني تقريرُ أحوال صالحة قد اتبعها الناس. وهي الأحوال المعبَّرِ عنها بالمعروف في قوله تعالى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} (٣). وأنت إذا افتقدت الأشياء التي انتحاها البشر منذ


(١) الافتضاض: الاغتسال بالماء العذب للإنقاء حتى تصير كالفضة، والنشرة: ضرب من الرقية والعلاج، سميت بذلك لأنها تنشر عن المريض ما خامره من داء أي تكشفه وتزيله. والحديث لأم سلمة. انظر ٢٩ كتاب الطلاق، ٣٥ باب ما جاء في الإحداد، ١٠٣. طَ: ٢/ ٥٩٧.
(٢) روى مالك القصة عن حميد بن نافع وعقّب عليها مفسراً. طَ: ٢/ ٥٩٧ - ٥٩٨.
(٣) الأعراف: ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>