للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل لأن السؤال عن غير المشكل عبث.

ولا يُستثنى من دلالة السكوت على التقرير إلَّا الأحوالُ التي دلَّ العقل على إلحاقها بأصولٍ لها حكمٌ غير الإباحة، وهي دلالة القياس بمراتبها.

وليس مرادنا بالتغيير تغييرَ أحوال العرب خاصة، ولا بالتقرير تقريرَ أحوالهم كذلك، بل مرادنا تغيير أحوال البشر وتقريرُ أحوالهم سواءٌ كانوا العرب أم غيرهم. وذلك أن جماعات البشر كانوا غيرَ خالين من أحوال صالحة هي بقايا الشرائع أو النصائح أو اتفاق العقول السليمة. فقد كان العرب على بقية من الحنيفية، وكانت اليهود على بقية من شريعة عظيمة، وكانت النصارى على بقية منها ومن تعاليم المسيح عليه السلام. وكان مجموع البشر على بقية من مجموع الشرائع الصالحة نحو شرائع المصريين واليونان والروم، وعلى اتباع ما دلت عليه الفطرة السليمة مثل عدّ قتل النفس جريمة. فالتغيير والتقرير قد يصادفان أحوالَ بعض الأمم دون بعض وهو الغالب، مثل تحريم الربا، ووجوب المهر، وأداء الدّية. وقد يصادفان أحوال البشر كلَّهم مثل تحريم الخمر، وإبطال الوصية لوارث، وبما زاد على الثلث، وتقرير أنكحة الذين يدخلون في الإسلام.

ومن رحمة الشريعة أنها أبقت للأمم مُعتادَها وأحوالَها الخاصة إذا لم يكن فيها استرسال على فساد. ففي الموطأ: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قَسْم الجاهلية، وأيما دار أو أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قَسْم الإسلام" (١).


(١) انظر ٣٦ كتاب الأقضية، ٢٧ باب القضاء في قسم الأموال، ٣٥. طَ: ٢/ ٧٤٦ - ٧٤٧. وانظر: ٤٨٥/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>