تصرّفات الشريعة في تشاريع أحكامها، وفي سياسة تصرّفاتها مع الأمم، وفي تنفيذ مقاصدها. فله في الشريعة ثلاثة مظاهر.
وقد تأمّلنا فوجدنا الذريعة على قسمين:
قسم لا يفارقه كونه ذريعة إلى فساد بحيث يكون مآله إلى الفساد مطرداً، أي بحيث يكون الفساد من خاصة ماهيته، وهذا القسم من أصول التشريع في الشريعة. وعليه بنيت أحكام كثيرة منصوصة، مثل تحريم الخمر.
وقسم قد يتخلّف مآله إلى فساد تخلفاً قليلاً أو كثيراً. وهذا القسم بعضه كان سبباً للتشريع المنصوص، مثل منع بيع الطعام قبل قبضه، وبعضه لم يحدث موجبه في زمان الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فكانت أنظار الفقهاء فيه من بعده متخالفة. فربّما اتفقوا على حكمه، وربّما اختلفوا، وذلك تابع لمقدار اتضاح الإفضاء إلى المفسدة وخفائه، وكثرته وقلّته، ووجود معارض ما يقتضي إلغاء المفسدة وعدم المعارض، وتوقيت ذلك الإفضاء ودوامه.
والقسم الأول أصل القياس في هذا الباب. والقسم الثاني يتجلَّى فيه القياس ويخفى، بحسب ما يرى الفقيه من قربه من الأصل المقيس عليه وبعده. فيرجع مراعاة هذه الذرائع إلى حفظ المصالح ودرء المفاسد، مثاله بيوع الآجال التي لها صور كثيرة. قال مالك بمنعها لتذرعّ الناس بها كثيراً إلى إحلال معاملات الربا التي هي مفسدة (١). فرأى مالك أن قصد الناس إلى ذلك أفضى إلى
(١) قال القاضي عبد الوهاب: وقد دلت السنة على أن تحريم ما صيّر إلى الحرام كتحريم قصده. وفي حديث ابن رشد عن سد الذرائع مقارنة بين المذاهب في اعتماد هذه القاعدة وإعمالها. قال: وأباح الذرائع الشافعي وأبو حنيفة =