للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قدمناه حتى تحرمه من ربحه الجاري على الطريقة المشروعة لأجل مقصده. فيظهر لنا أن سَد الذرائع قابل للتضييق والتوسع في اعتباره بحسب ضعف الوازع في الناس وقوته، كما سيأتي في مبحث الوازع (١).

ولولا أن لقب سدَّ الذرائع قد جعل لقباً لخصوص سدّ ذرائع الفساد كما علمت آنفاً، لقلنا: إنّ الشريعة كما سدّت الذرائعَ فتحت ذرائعَ أخرى، كما قال شهاب الدين القرافي في كتاب تنقيح الفصول (٢).

فأما وقد درجنا على أن اصطلاحهم في سدّ الذرائع أنه لقب خاص بذرائع الفساد فلا يفوتنا التنبيه على أن الشريعة قد عمدت إلى ذرائع المصالح ففتحتها، بأن جعلت لها حُكْمَ الوجوب، وإن كانت صورتُها مقتضيةً المنعَ أو الإباحة. وهذه المسألة هي الملقَّبة في أصول الفقه بأن ما لا يتم الواجب إلَّا به هو واجب. وهي الملقّبة في الفقه بالاحتياط. ألا ترى أن الجهاد في صورته مفسدةُ إتلاف النفوس والأموال، وهو آيل إلى حماية البيضة وحفظ سلامة الأمة وبقائها في أمن. فكان من أعظم الواجبات، إذ لو تركوه لأعقبهم تركه تلفاً أعظم بكثير مما يُتْلِفُهم الجهاد. وهذه جزئية من جزئيات قاعدة تقسيم الأعمال إلى وسائل ومقاصد. وسنذكرها في القسم الثالث (٣)، فلا ينبغي أن يختلط المبحثان على الناظر.

وممّا يجب التنبّه له في التفقّه والاجتهاد التفرقةُ بين الغلو في


(١) انظر: ٣٦٢ وما بعدها.
(٢) انظر التنقيح: ٤٤٨ - ٤٤٩.
(٣) انظر: ٣٩٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>