للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجاورة، فهو أسوأ حالاً وأشدّ فساداً من حيث السكنى والمأوى، ونظام العيش، والأحوال الصحيّة، وفقدان أبسط الحاجيات.

وقد توالت الشهادات على هذا من ذلك العهد إلى قيام حركات الطلاب بالمطالبة بالتغيير والإصلاح. ورأينا منها ما يحزن القلب ويؤلم النفس، ويعوق الطلبة الشباب عن السير سيراً عادياً ليتضلّعوا بالمعارف النافعة والقيام بالواجبات المتعيّنة. وأنّى لهم ذلك، وقد توالت عليهم مختلف المصاعب، وحاقت بهم ألوان المصائب. فأكثرهم إلى جانب مزاولتهم للدروس في ظروف سيئة، يقيمون بمدارس سكناهم الشبيهة بالجحور، كلُّ ثلاثة أو أربعة منهم في غرفة ضيّقة واحدة فاسدة الهواء، كثيرة الرطوبة، تفتقر في غالب الأحيان إلى أبسط أحوال حفظ الصحة. ويزداد أمرهم ضيقاً باحتياجهم المتكرّر إلى الغذاء والتموين. وتتحول بيوتهم الصغيرة إلى محلات يقومون فيها بمختلف شؤونهم المنزلية، مع افتقادهم وافتقارهم إلى الماء الصالح للشراب، وإلى النور "الكهرباء"، وإلى قنوات تصريف المياه. فصحن مدارس سكنى الطلبة الزيتونيين يبقى ملطخاً بالأوساخ، وبالفواضل القَذِرة، والمياه. كما ترى فئات من المتطوّعين يجوبون الشوارع بأسمال بالية، يتصدّقون الناس. وإنها لمشاهد محزنة للغاية، تحمل على التبرّم من العيش، وتدفع بهذه الطبقة المثقفة الكادحة من شباب الأمة إلى مشاعر من الانحطاط الاجتماعي، والبؤس البيئي، والانكسار النفسي. وهو ما يقود حتماً إلى الغضب والثورة (١).


(١) محمد مختار العياشي. حالة الطلبة التونسيين المادية. البيئة الزيتونية: ١٠٧ - ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>