للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للتفسير، ومعرفة طريق استمداده، وتعميق أغراضه ودلالاته، وتوثيق الأفهام فيه، واجتناب كثير من المحاذير التي تَزِلُّ بها القدم، ويبتعد بها المفسر عن أصول صناعته. وهذه الحقائق تذكّر بما اعتاد كثير من العلماء بيانه لتحديد الغرض من التفسير بعامة، وذكر شروط المفسر.

وإذا كان التفسير، كما قال الإمام الأكبر، هو شرح مراد الله تعالى من القرآن، ليفهمه مَن لم يصل ذوقه وإدراكه إلى فهم دقائق العربية، وليعتاد، بممارسة ذلك، فهمَ كلام العرب وأساليبهم من تلقاء نفسه، فإن المفسر أمين على إبلاغ الناس مراد الله من كتابه، ولا يتأتّى له ذلك إلا بمعرفة اللغة وعلومها، وتصوره الدقيق لاستعمالات العربية فيها، والممارسة لجملة من فنونها، ارتياضاً بها، وحذقاً لتصرّفات القول حذقاً يصل به إلى اكتشاف مغالق المعاني وأسرار البيان وخصائص التعبير لدى الأمة من أهل هذه اللغة الذين خاطبهم الله بلسانهم، وأنزل عليهم كتاباً عربياً مبيناً لا يَخْلَقُ على طول الردِّ. فصحة التفسير يكفلها شرح التراكيب القرآنية ببيان المقصود من ألفاظ القرآن بحسب ما جرى عليه استعمالها في اللغة العربية.

واستمداد ذلك يكون باجتذاب المعاني من الدلالة اللغوية للألفاظ، ومن التصرّفات القولية التي وردت بها تراكيبه، ومن الحس بها، والإدراك للخصائص البلاغية التي تتّسم بها تلك التراكيب.

ولا يتأتّى للمفسر أن يغوص على أسرار الكتاب، ويتعمّق معانيه إلا متى اكتمل إدراكه لنظمه البديع، فيتجه به كل اتجاه لتصوّر محامله، والوقوف على احتمالاته مهما تعددت.

وما من شك في أن لثقافة المفسر في هذا أثراً كبيراً في

<<  <  ج: ص:  >  >>