بالمنزل بنهج الباشا من مدينة تونس، وبكتّاب سيدي بوحديد الواقع بجوار منزله. وبه حفظ القرآن الكريم حفظاً دقيقاً، وأتقنه طوال عمره قراءة وتدبّراً. وتعلم اللغة الفرنسية ببيته، ووُكل أمرُه في هذا إلى حاذق من حذاق اللسان الفرنسي من المواطنين.
أما انتاسبه للتعليم فقد كان أساساً إلى جامع الزيتونة الأعظم. به نال شرف التعلّم والتعليم للمواد اللغوية والشرعية. وتنقل بين حلقاته، جالساً إلى أشياخه أطواد العلم، مرتقياً عن طريقهم بين مراتب الدراسة، حاصلاً منهم على شهاداتِهم له بالقراءة عليهم، لكثير من العلوم التي كان يزاولها الطلاب في عهده، وعلى شهادة التطويع التي تخوّل صاحبها، في ذلك الوقت، حقّ التدريس في الدرجات الأولى من التعليم بالمعهد. ومما حَظِي به رحمه الله الإجازات العلمية الجامعة، التي نخصّ منها بالذكر إجازته في الحديث النبوي الشريف، كتبها له بيده بدفتر شهادات دروسه شيخ الإسلام شيخه وشيخ شيوخه الشيخ سالم بوحاجب. فسمع منه، وأخذ عنه، وكان به حفياً.
وقضى الإمام الأكبر حياتَه في جهاد وعطاء. وبذل ما شاء الله له أن يبذل من جهود في مجال التعليم والتدريس. فهو الأستاذ القادر، والمحقق اللامع، يزدحم الطلاب على حلقة درسه. وكان أرقى العلوم لديه هو ما كان يوليه عناية خاصة بممارسته الدائمة له، سواء في ذلك ما كان من علوم المقاصد أو من علوم الوسائل. وهذا ما نوّه به طلبته، وعرَفَهُ منه أقرانه. كان مولعاً بالدروس التي يلقيها بالجامع الأعظم، يرفع بها السجف عن أسرار البيان، ويمكّن طلابه بسهولة من فوائد وفرائد غاص عليها هو، في مصادر البحث ومراجعه. وربما كانت بإشارة شاردة، تَلْفِتُ الأنظار العلمية الدقيقة