ولعل الطريق الصحيح إلى معرفة ذلك هو تصوّر معنى الحديث القدسي تصوراً دقيقاً كاملاً. وهذا ما حمل الشيخ على تعريف الحديث القدسي أو الرباني أو الإلهي. فوضع بين أيدينا تعاريف كثيرة منها تعريف الجرجاني، وتعريف الجويني الذي نقله السيوطي في إتقانه، وتعريف الهيتمي، وتعريف علي القاري، وما ورد من ذلك في شرح جمع الجوامع للمحلي، وما ذكره الطيبي في نفس الغرض. وقد استخلص الباحث من مجموع هذه التعاريف حداً جامعاً مانعاً للحديث القدسي جاء فيه:"هو كلام من الله تعالى صادر منه في الدنيا، غير مخاطب به معيّن، موحى به إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ معيّنة غير مقصود بها الإعجاز، ولا التعبّد بتلاوتها، ليبلّغها إلى الناس، مع تفويض التصرّف في ألفاظها بما يؤدّي المقصود".
وبناء على هذا الحد ذكر الإمام أمثلة لما لا يصح أن يعتبر حديثاً قدسياً. مثل:
حديث أبي هريرة:"ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"(١).
قال ابن عاشور: يشبه أن يكون هذا الحديث قدسياً وليس بالقدسي، لأنه قول إلهي يتعلق بأحوال قوم مخصوصين.
(١) خَ: ١٩ كتاب التهجد، ١٤ باب الدعاء والصلاة من آخر الليل: ١/ ٤٢؛ مَ: ٩ كتاب صلاة المسافرين وقصرها، ٢٤ باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل، والإجابة فيه: ١/ ٥٢٢، ١٧١؛ طَ: ١٥ كتاب القرآن، ٨ باب ما جاء في الدعاء: ١/ ٢١٤، ٣٠.