السنة (العلم). فعبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير كانا يكتبان الحديث لعبد الله بن عمر ويستشيرانه. وهذا الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أراد تدارك الأمر فكتب أواخر القرن الأول إلى أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أحد فقهاء المدينة:"أن اكتب إليّ ما كان من سنة أو حديث".
هـ - تلقُّفُ العلم من التابعين في مسائل كادت تُوقِع الناس في الفتنة بسبب اختلاف المذاهب والنحل والأحزاب، كمسألة الخلافة. فكانوا يحتجّون بما يصنع لهم من أحاديث موضوعة لمذاهبهم، وابتغاءَ دعم سياساتهم. فكثر بذلك الكذب عمداً أو جهلاً، تقليداً أو تحريفاً. واحتاج أهل الحديث إلى الذب عن السنة، وإخراج ما صح منها عن النبي بإخضاعه إلى نقد الرواة، وضبط أحوالهم، وعرض مروياتهم على أصول الشريعة ومشهور السنة. وهكذا تمّ نقد الأسانيد والمتون على وجه يحصل به الاطمئنان إلى ما يرويه العلماء والمحقّقون من السنة الشريفة: المصدر الثاني للتشريع.
وعقب هذا تعرَّض الباحثُ إلى انتشار السنة في الآفاق، وإلى عناية الأئمة بنقدها والتأليف فيها. فذكر أول المصنفات والكتب في ذلك، وهو الموطأ للإمام مالك بالمدينة، وكتاب عبد الملك بن جريج بمكة، وكتب الأوزاعي بالشام، وسفيان الثوري بالكوفة، وحماد بن سلمة بالبصرة، وهُشيم بواسط، ومعمر بن راشد باليمن، وعبد الله بن المبارك بخراسان، وجرير بن عبد الحميد بالري. وجميع مصنفات هؤلاء الأئمة يعود إلى عصر واحد.
وأتبع الباحث هذا بما لاحظه مؤرخو المادة من اختلاف في الآثار المدوّنة قوّة وضعفاً، منتهياً إلى تقديم طريقة أهل المدينة في