للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الأمة. قال - صلى الله عليه وسلم -: "فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة".

ومن هذا التقرير تتضح لنا عناية المؤلف بالمقاصد الشرعية، واهتمامه بها، وترتيبه الأحكام عليها. فالستر على المسلم فيه مصالح كثيرة تجلب منفعة أو تدرأ ضرراً. فممَّا تجلبه من المصالح: إبعاد المقترف للذنب عن استخفاف الناس به وكراهيتهم له. وأن من حَصَلت منه المعصية على وجه الفلتة إذا ستر أمره بقي له من وقاية مروءته ما يصدّه عن معاودة الوقوع في ذلك الإثم. ومن المفاسد التي يدرؤها الأخذ باعتبار مصلحة الستر على المسلم فيما حصل منه واجباً بل محمدة، إن في التسميع بالمعاصي مظنّة قصد التشويه به بالذنب، وأنه بإشاعة المعاصي يسهل أمرها على متجنّيها. وهو مما جاء التحذير منه، والتهديد عليه في الذكر الحكيم بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (١)، كما أن التشهير يحدث عداوة بين المشهِّر والمشهَّر به. وهذا ينافي مقصد الإسلام من دوام الألفة والمحبة بين المسلمين.

ويساير الإمام نصّ الحديث، فيذكر أن ما حصل من الأول من سوء التصرّف كان ممّا لا منفعة فيه للخاطب، وأنّه بسبب ذنب مضى، وليس هو عيباً بالخلقة كعيوب الأبدان والأخلاق، مِن مرض أو جنون أو حماقة، يجب الإعلام به لتجنيب الخاطب الغرر، على أن النصيحة لا تكون من ولي المرأة، فإن في مثل هذه مضاعفة لسوء التصرّف الذي يشير إليه الفقعسي الحماسي:

رأيت مواليَّ الأُلَى يخذلونني ... على حدثان الدهر إذ يتقلَّب


(١) النور: ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>