ذكر شيخنا في طالع أول فقرة من هذا الكتاب مناقشته لأوضاع الدراسة والتعليم بجامع الزيتونة. قائلاً: قد كان حدا بي حادي الآمال، وأملَى عليّ ضميري، من عام واحد وعشرين وثلاثمائة وألف، للتفكير في طرق إصلاح تعليمنا العربي الإسلامي الذي أشعرتني مُدة مزاولته متعلماً ومعلماً، بوافر حاجته إلى الإصلاح الواسع النطاق. فعقدت عزمي على تحرير كتاب في الدعوة إلى ذلك وبيان أسبابه، ولم أنشب أن أزجيت بقلمي في ابتداء التحرير ... وها أنا ذا متقدم إلى خوض بحر، أرى هول أمواجه قد حاد بعقول كثير من ذوي الألباب فولّوا عنه مدبرين، وتكلّموا في إصلاحات نافعة تضمن مصالح المسلمين، لكنها كلها كانت متوقّفة على هذا المقصد الجليل المغفول عنه، وهو مبدأ إصلاح التعليم.
ويمثل العنصر الثاني: الطلبة الذين انقسموا على أنفسهم طائفتين: الأولى منهم كانت مع شيوخ المعارضة للإصلاح المنازعين فيه، والطائفة الثانية تنشد الإصلاح، معتقدة أنّ فيه المفزع والمخرج من الوضع المهين الذي آل إليه التعليم بالجامع، وتعطل نفع الخريجين ونفع المسلمين به عامة، باتجاهه في هذه الظروف العصيبة إلى ما عاد بالنقض والإبطال على أصوله وخصائصه، ففسدت طرق التدريس به. وهذا ما كان يعتمده الشيوخ والمدرسون من مناهج هزيلة تخلط على الطلاب أفهامهم، وتحولُ بينهم وبين الحياة. فلا هم مُدركون حقائقها، ولا هم قادرون على مصانعتها والإفادة منها، أو متبنون لها بالوجه الذي يرومون، طامعين في تدريسٍ أفضل يقتضي القدرة على مجابهة المشاكل والتحديات بإرادة ثابتة وعزم ماض. ولا يتأتّى هذا إلا بالاعتماد على تكوينٍ سديدٍ، ومعرفة جيّدة، ودُرْبَةٍ عالية من العلم يُساعد الطلبة على توَفُّرها بالمدرسةِ أو المعهد، أو أي