للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} (١).

وأما ثانياً: فقول المشركين: "فقد قتَلنا" قصدوا به إفحام النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يكفّ عن دعوتهم إلى الإسلام. وقد كانوا في الجاهلية مشركين ومجرمين بما ارتكبوا من الفواحش، وهو ما استوجب خلودهم في النار. فلا داعي إذن لدعوتهم إلى الإسلام. وبهذا يظهر إيراد هذا الخبر في هذا الباب لما يؤذن به قولهم من إيذائهم للرسول وقتلهم وتعذيبهم للمساكين، وهو ما كان يجبّه الإسلام لو أنهم آمنوا واستجابوا للداعي.

وأما ثالثاً: فنقل سعيد بن جبير تأويلَ ابن عباس لقوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ} من الشرك وما معه بالدخول في الإسلام. فقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ} عنه، استغناء عن مجموع الجمل المذكورة قبله، وأن المهم قصد التوبة من الشرك، وما ذكر من الفواحش معه إنما ورد من أجل التشويه والتقبيح، فالاستثناء على هذا للمجموع لا للجميع. وهذا التأويل بعيد لأنه ينبغي أن يَرجع إليها جميعها أي إلى مدلول كل جملة منها. فإنّ كل واحد من الأوصاف مقصود بالذم ومرفوع بالتوبة. وإنّما أوكل ابن عباس آية الفرقان بهذا الوجه لحمله آية قتل النفس من سورة النساء على ظاهرها، وجعلها أصلاً في عدم قبول توبة قاتل النفس. فألجأ ذلك إلى تأويل ما يعارضها، وهو قول شاذ، لعموم جريانه على إجماع المسلمين في قبول التوبة في سائر


(١) الفرقان: ٦٨ - ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>