للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصل في ذلك يقول: المستقيم اسم فاعل من استقام مطاوع قوّمته فاستقام. والمستقيم الذي لا عوج فيه ولا تعاريج. وأحسن الطرق الذي يكون مستقيماً وهو الجادة، لأنه باستقامته يكون أقرب إلى المكان المقصود من غيره، فلا يضل سالكه ولا يتردّد ولا يتحيّر. وفي هذا مقارنة للفظ مستعملٍ في حقيقته ومجازه. فالمستقيم في الآية مستعار للحق الذي بينا. قال ابن عباس: إن الصراط المستقيم دين الحق، ونقل عنه: أنه ملّة الإسلام. فكلامه يفسّر بعضه بعضاً. ونفى الشيخ أن يكون المراد أنهم لقّنوا الدعاء بطلب الهداية إلى دين مضى، وإن كانت الأديان الإلهية كلها صُرطاً مستقيمة.

ويحصر المؤلف هنا معنى الصراط المستقيم، فينبّه إلى أن التعريف فيه للعهد الذهني. فقد سألوا الهداية لهذا الجنس في ضمن فرد، وهو الفرد المنحصر في الاستقامة، لأن الاستقامة لا تتعدد. قال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} (١).

وقد يوجه هذا التفسير بحصول الهداية إلى الإسلام، وإنما علَّمهم الله هذا الدعاء لإظهار منّته. وهداهم سبحانه بما سبق من القرآن قبل نزول الفاتحة، ويهديهم بما لحق من القرآن والإرشاد النبوي بعد ذلك. وورد إطلاق الصراط المستقيم في القرآن على هذا الدين في قوله عزّ وجل: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (٢)، والهداية إلى الإسلام لا تقصر على ابتداء اتّباعه وتقلّده، بل هي مستمرة باستمرار تشريعاته وأحكامه بالنص وبالاستنباط. فيكون المراد عند الإمام من الصراط المستقيم: المعارف الصالحات كلها من اعتقاد وعمل، بأن يوفّقهم تعالى إلى الحق، وإلى التمييز بينه


(١) يونس: ٣٢.
(٢) الأنعام: ١٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>