للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عاشور: إن كلامه في هذا اللفظ مختلط وغير محرر. فأما حكمه بالخطأ في نفي ماضي زال بلا النافية فهو حكم صحيح، ولكنه لم يحرّر تعليله، إذ علّله بأن زال وأخواتها تقرن بلا نفياً، وإنما ذلك يصح تعليلاً لعمل زال وأخواتها عملَ كان، وليس بيت الألفية مسوقاً إلا لبيان شرط إعمال زال وأخواتها عملَ كان. وكان الحق أن يعلل ذلك بوجوب اتباع استعمال العرب. فإن العرب لا تستعمل الماضي كله منفياً بلا، إذا لم يتكرر النفي بلا. والمراد من النفي الدعاءُ بالنفي لا الإخبار. وهذا استعمال غير جارٍ على القياس. فإذا تكرر النفي لفظاً صح استعماله في غير الدعاء كقوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} (١). وكذلك إذا تكرر النفي في المعنى كقوله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} (٢). فإن الاقتحام الذي دل عليه الماضي المنفي بلا يشتمل على عدّة أمور فسرها قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}. فآل معنى قوله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} إلى معنى فلا فك رقبة، ولا أطعم، ولا آمن. وفيما عدا ذلك لا يستعمل الماضي منفياً بلا إلا إذا كان المراد الدعاء دون الخبر. ولذلك كان تخصيص أبي يعلى حكمه بالأفعال الأربعة زال وأخواتها إجحافاً بحكم الاستعمال، وبخاصة إذا كان خطأ الكتاب في هذا الباب وارداً في جميع الأفعال الماضية.

وكذلك انتقاده قولهم: ألْفَتَ مراداً به لَفَت صحيح وجيه.

والمؤلف بوقوفه عند الاستعمالات السابقة مصوباً ومحرراً، محققاً ومستدركاً يدل على امتلاكه لغة الضاد واستحضاره واستظهاره ما تخضع له من قواعد، وتجري عليه من أساليب، مع قدرة فائقة


(١) القيامة: ٣١.
(٢) البلد: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>