للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر بعد هذا أنواع الإنشاء، كما تعرّض إلى ما ينبغي أن يتحقّق في الألفاظ والمعاني من صفات شريفة وسمات بديعة آسرة.

وعند التفاته في هذه الرسالة إلى القسم الثاني منها وهو فن الخطابة الذي عدّه من جملة أنواع الإنشاء، كالمراسلة والمحادثة والمقالات ونحوها (١)، يقول: إن هذا الفن يختص بمجموعة من الضوابط والشروط، إذا التزم بها الخطيب ورعاها استطاع أن يُقنع بكلامه أصنافَ السامعين بصحّة الغرض الذي يقصده. ويدعو لفعله أو الانفعال به (٢).

وبعد تعريفه للخطابة القائمة على الإقناع، والشعر القائم على التخييل والمحاكاة، يذكر شروط الخطيب، وأوصاف الخطبة، وينوّه بالدور الكبير الذي يستطيع المهرة والحذاق من أصحاب هذا الفن الاضطلاع به. فهي - كما صوّر لنا ذلك - ركن عظيم من آداب الاجتماع البشري، بها يحصل تهذيب الجمهور من حملهم على ما فيه صلاحهم، وتسكين جأشهم عند الروع، وبث حماسهم عند اللقاء (٣).

ولم يهمل المؤلف الجانب التطبيقي إثر تفصيله للجانب النظري واعتنائه به. فهو يذكر الأمثلة الكثيرة المميّزة من قرآن وحديث، ونثر وشعر، كما يدعو إلى ممارسة تمارين تُشَدّ بها المعارف، وتنضج بها القدرات والملكات.

وكانت رسالته هذه التي طلع بها على طلاب الزيتونة فتحاً مبيناً، وبياناً لطريقته ومنهجه في الأخذ بطرائق النحاة والبلغاء وأئمة الأدب المترسّلين. فهو يعتمد في ذلك على مقالات ابن جني


(١) محمد الطاهر ابن عاشور. أصول الإنشاء والخطابة: ١٢.
(٢) المرجع السابق: ٤٥.
(٣) المرجع السابق: ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>