للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث جعل الأول الجزالة في مقابل الركاكة، وجعلها الثاني مقابلة للرقّة، ويلخّص ابن عاشور هذه الاستعمالات بقوله:

قد رأيتهم يقابلون الجزالة مرّة بالرقّة، ومرّة بالركاكة، ومرّة بالضعف، ومرّة بالكراهة. فتحصّل لنا من معنى الجزالة أنها كون الألفاظ التي يأتي بها البليغ، الكاتب والشاعر، ألفاظاً متقاربة في استعمال الأدباء والبلغاء، سالمة من ركاكة المعنى، ومن أثر ضعف التفكير، ومن التكلّف، ومما هو مستكره في السمع عند النطق بالكلم أو الكلام. فهذه الجزالة صفة مدح. وأتبع هذا التعريف بنقد بعض النصوص والاستعمالات الموسومة بالركاكة، وجعل من هذا بيتاً للخوارزمي يخاطب بديع الزمان خطابَ مفاخرة. وذلك قوله:

وإذا قرضت الشعر في ميدانه ... لا شك أنك يا أخي تتشقق

وخالف الإمام بين الجزالة والرقّة ضارباً المثل لكل من اللونين، ومنبّهاً إلى أن لكل واحدة من هذين مقاماً يليق بها. فالجزالة تناسبها الشدة كالرثاء أو الحماسة، وتستعمل الرقة أو يلجأ إليها في النسيب والزهريات والملَح لما فيها من لين ولطافة.

ويختم كلامه عن الجزالة بالتنبيه إلى أنها من أوصاف المباني والمعاني جميعاً قائلاً: والجزالة من صفات الألفاظ باعتبار المعاني. ويظهر تصرّف البليغ في صناعتها بالخصوص في صوغه المعاني التي يصوغها في نفسه من مجاز واستعارة وتمثيل وتشبيه وكناية وأنواع البديع. وأما المعاني الوضعية فتأتي بطبع سياق الكلام، وتأتي في الألفاظ تبعاً للمعاني. وعلى هذا الاعتبار ينبني وصفهم المعنى بالجزالة (١).

* * *


(١) المجلة الزيتونية: ٦/ ٩، ٣٤٤ - ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>