الناس من شعر بشار أنه لم يقصر نفسه على متابعة المتقدّمين من الشعراء في معانيهم، بل أودع شعره كذلك المعاني الحضرية المستجدّة في عصره.
رابعاً: ينتقل بنا الإمام الأكبر إلى عنصر هام جداً من عناصر مقدمته. وقفه على التعريف بمنزلة شعر بشار عند العلماء والنقاد. ولا أظن أن أي واحد من الأدباء في مستطاعه أن يغوص على خصائص شعر بشار، وإبراز أبدع صوره، مقترنة بالتحليل والتفصيل في هذا العصر. فإن ذلك مما اختص به أصحاب الملكات العلمية من علماء اللغة والعربية والاشتقاق والبلاغة والشعر. وإن هؤلاء وحدهم، بكمال تكوينهم، وتمام استحضارهم للقواعد النظرية عند أصحاب تلك العلوم، يُخضعون النصوص الشعرية والأدبية لا لمجرد الذوق، وإنما للذوق السليم المحكم الذي ازداد اكتمالًا ونمواً عند صاحبه بممارسته الطريقة التطبيقية في الشرح والنظر والنقد. وأين منا أمثال هؤلاء، وهم في كل عصر قلة. ومن يقدرُ اليوم مثل الإمام الأكبر على جمع الكثير من النظريات والفوائد في صفحات قليلة، بياناً ونقداً في عرضه وتفصيله لشعر أي شاعر من المتقدِّمين أو المتأخِّرين. ذلك أنه يعسر وقوفهم على ما وقف عليه أئمة هذا الفن من آلات تعين على الفهم والنقد، أو تمكّنهم من عرض بعض الصور الشعرية مع التطبيقات العلمية عليها في زمن غاضت فيه السليقة، واختلطت الألسن، واستولت على الناس العجمة.
والمقصود من وضع هذه المقدمة، فيما يظهر، العناية بهذه العناصر الثلاثة: الثاني والثالث والرابع. فهي محط النظر، وموضع الدرس، وسبيل التقويم والنقد لشعر ابن برد. وهي التي يجب الوقوف