للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقصاه إلى أقصاه بمرحلة قاسية وخطيرة، ساد فيها الجهل والفقر والمرض واختلال الأمن، كما ذاع فيها القلق والحيرة والتشاؤم واليأس، حتى رأيت أكثر الناس يتمثل فيها بقول الشاعر:

أتى الزمانَ بنوه في شبيبته ... فسرّهم، وأتيناه على هرم

أو يردّد قولَ العتاهية:

أرى الأمس قد فاتني ردُّه ... ولست على ثقة من غدِ

ويتفاقم هذا الوضع بالهزَّات والانتفاضات الاجتماعية والسياسية، فتدلهمّ الآفاق، ويزداد القنوط، وتنسد مسالك الرجاء في وجوه المسلمين. ولكن نسمة مباركة من الله تعالى، وروحاً من الإيمان المستقر في قلوب الصادقين المخلصين من عباده، دفعا بجمهرة كبيرة من أئمة الفكر وزعماء الإصلاح ودعاة التغيير، في مختلف الأقاليم، إلى تحدّي صروف الزمن، فرفعوا أصواتهم منادين بالحق وإلى سبيل المؤمنين، داعين مَن وراءهم من إخوانهم إلى الخير في المشرق والمغرب، يعملون على بعث الحياة، وتجديد أسباب العزة والمَنَعة والقوة في نفوس المسلمين. وما إن سرت هذه الروح فألهبت المشاعر، وشحذت العقول، وصقلت المواهب، وحفزت الهمم حتى شعر الناس بالانفراج، وببداية عصر التطور والتقدم الملهم. ونحن من أجل تسجيل هذه الظاهرة، وبسبب ما تقتضيه هذه العجالة من ضرورة الاقتصار على إشارات دالة خاطفة تشير إلى وجود تيارين مشرقيين تزامنا، وتصدَّرا ما كان يظهر بالبلاد التونسية من تيارات إصلاحية، وحركات تجديدية.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>