للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببراعتهم وتدبيرهم ومعرفتهم في الحرابات واختراعهم فيها. وهذا ما ينعدم انعداماً كاملاً في مجتمعاتنا. فسائر تلك العلوم المعروفة معرفة تامة لدى الفرنجة مجهولةٌ بالكلية عندنا. ومن جهل شيئاً فهو دون من أتقنه، وكلما تكبّر الإنسان عن تعلّمه شيئاً مات بحسرته (١). وقد جعل القصد من دعوته هذه إلى الإصلاح حثُّ أهل ديارنا على استجلاب ما يكسبهم القوة والبأس من جهة، وما يؤهّلهم لإملائهم الأحكام من جهة أخرى (٢).

وللتأكيد على ذلك كان يحاول مع مقارنته بين الوضعين القائمين أن يشير إلى الغايات الشريفة التي تتطلع إليها شعوب الأمة الإسلامية قاطبة. وهو لذلك - بعد سبر أغوار مجتمعات الفرنجة - يصدع بأن العلوم هي التي قادتهم إلى تحقيق التمدن. ويحثّ جميعَ الناس على الاشتغال بالعلوم، والفنون والصنائع النافعة. وبعد مناشدتهم التضحية وبذل الجهد، والمغامرة مع الكدّ والكدح - وهي شروط النهوض والتقدم لبلوغ أسنى المقاصد - يزيّن لهم ما وراء ذلك من غايات تتكفّل بها شريعتهم، ويوفّرها لهم نزوعهم إلى العلم العصري.

فالغاية الأولى التي ترفع من مكانة الأمة، وتجعلها أسوة لغيرها، هي كمال الأخلاق والفضائل الإنسانية المتوصل إليها بالآداب الدينيّة والتربية العالية السلوكية. وهي التي تصون الناس عن الأدناس وتَصرفُهم عن الأرجاس.

والغاية الثانية هي المنافع العمومية التي تعود على المجتمعات بالثروة والغنى وتحسين الحال وتنعيم البال، وتُبعدها عن الحالة الأولى الطبيعية (٣).


(١) رفاعة رافع الطهطاوي. تخليص الإبريز: ١٥٥.
(٢) المرجع نفسه: ١٢.
(٣) المرجع نفسه: ٧ - ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>