للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملاحظة الوصايا وإدراك الفضائل، وملاحظة ذلك ملاحظةً مستمرة في كل الأعمال والأحوال، حتّى تكاد تصبح غرائزَ فُطِر عليها أفراد ذلك المجتمع الذي يقول عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "خير القرون قرني" (١). وذلك بسبب ما حصل بتلك المكارم من نتيجة الدربة عليها، والمراقبة لها، والالتزام بها. وما اكتسبه المسلمون من جراء ذلك من إلف لها، وجفاء لأضدادها (٢). وتمّت للمجتمع الإسلامي من بعد الإيمان الاستقامةُ على أمر الله. وهي عبارة عن العدالة التي عرّفها الإمام بالملكة التي تمنع من قامت به من اقتراف الكبائر، وعن المروءة التي هي استيفاء الرجولة الكامنة: بأن لا تفعل في سرّك ما تستحي أن تفعله بحضور غيرك (٣). وممّا يشهد لذلك ما ورد في الأثر: "من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يُخلفهم، فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته".

وعدَّ المؤلف من صفات الكمال هذه ما بلغ تمام حقيقته فيهم. فمن ذلك الإنصاف من النفس. وهو خصلة رفيعة دعا إليها الرحمن في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} (٤). وقد روضت آداب القرآن أتباعَ الملة على هذه الخصلة بما جاء من قوله عز وجل: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} (٥)، كما حثت السُّنة على ذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) الحديث عن عمران بن حصين. متفق عليه. ملا علي قاري. مرقاة المفاتيح: ١٠/ ٣٦٠، ٦٠١٠.
(٢) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام: ١٢٤.
(٣) المرجع السابق: ١٣٢.
(٤) النساء: ١٣٥.
(٥) النساء: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>