للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد نطق أستاذه حقاً وقال صدقاً، لا لما كان يعرفه من تفكيره، ويتصوّره من تصرّفاته وتطلّعاته، ولا لما تركته آراؤه وأفكاره ودعوته وتوجيهاته من أثر في الشباب من حوله، ولا في المحيط الفكري الجديد الذي تمكّن من إيجاد ما به من تفاعل ونفخ للروح الإصلاحية فيه، وإنما كان ذلك لما وجده في أقواله وكتابته من التزام بهذا المنهج، وعزم وإصرار على إقراره ودعمه. فلم تثنه مواقف المعارضة من الشيوخ القائمين على حماية التراث والملتزمين بما نشأوا عليه من علوم ومناهج ولكنه واجهها مواجهة شجاعة في تبصّر وحكمة، مبيّناً أحوال هذا العصر ومقتضياته وتطوّراته ومتطلّباته، معلناً أن المعارف الآن سائرة سيرة مستجدّة في نظريات العلوم والفنون الصناعية التي هي جديرة بأن تسمّى بالحكمة العملية والطرق المعاشية.

ومع هذا فلم يزل التشبّث بالعلوم الشرعية والأدبية ومعرفة اللغات الأجنبية، والوقوف على معارف كل مملكة ومدينة بما يكسب الديار المصرية المنافع الضرورية، ومحاسن الزينة؛ فهذا طراز جديد في التعلّم والتعليم، وبحث مفيد يضمّ حديث المعارف الحالية إلى القديم، وهذا من بدائع النظْم. وإذا أخذ الطهطاوي حقه من حُسن التدبير والاقتصاد فيه فإنه قد استحق مرتبة التعظيم .. ولا ينبغي لأبناء الزمان أن يعتقدوا أن زمن الخَلَف تجرد عن فضائل السلف، وأنه لا ينصلح الزمان إذ صار عرضة للتلف. فهذا من قبيل البهتان. فالفساد لاعتقاد ذلك لا لفساد الزمان، قال الشاعر:

نَعيب زماننا والعيب فينا ... وما بزماننا عيب سوانا

ونهجو ذا الزمانَ بغير عيب ... ولو نطق الزمان بنا هجانا

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>