للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعقاب، جاعلين الثواب فضلاً من الله. وينسب هذا المذهب إلى جهم بن صفوان. وقد سبقه إلى القول بهذا من الفلاسفة سقراط القائل بالقضاء والقدر.

ثانياً: مبدأ الاختيار المحض. وهو مبدأ مَن نَفَوا القضاءَ والقدر، وجعلوا أفعال العباد مخلوقة لهم، وليس لله عليها قدرةٌ ولا له قضاء وقدر، منزّهين بهذا القول الخالقَ جل جلاله عن تقدير الفساد، وعن إقراره مع علمه به. وهؤلاء هم القدرية وهم أول من تكلّم في طلب تحقيق معنى القدر بعد أن نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البحث فيه. وذهب بعض المتكلمين من بعدهم إلى أن هؤلاء لم يكونوا يثبتون لله عموم العلم. ومن ثمَّ أغلظ سلفُ الأمة الإنكار عليهم. وقالوا عنهم: هم مجوس هذه الأمة. والداعي إلى هذه النحلة هو معبد الجهني ثم غيلان الدمشقي. وهؤلاء أعملوا أدلة الثواب والعقاب ونفوا العلم بالجزئيات عن الله. وكانت هذه النحلة قديمة قائمة من عهد اليونان نادى بها من قبل أبيقور.

ثالثاً: مبدأ التوسّط بين الجبرية والقدَرية، والجمع بين الأدلة، وتنزيل كل في موضعه. وهذا قول جمهرة علماء الإسلام.

وخلاصة هذه الاتجاهات، التي اخترقت جموع المسلمين، ما انتهوا إليه من أن الله خلق الأفعال كلها من خير وشر، وجعلوا للعبد استطاعة اختيار بعض تلك الأفعال دون بعض. فتلك القدرة تصلح للكسب فقط. فالله خالق غير مكتسب، والعبد مكتسب غير خالق. وجعلوا الجزاء منوطاً بذلك الاكتساب. ولذلك أثبتوا الفرق بين حركة المرتعش وحركة المتناول. وهذه طريقة الأشعري، وقريب منها قول الجبائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>