للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أفكاره ونشاطاته بذور اليقظة والنهضة بما كشف عنه من مواقف، ودلّ عليه من نزعات. وقد عرّض به ذلك إلى غضب خُصومِه، من أصحاب الانقلاب بأفغانستان، وغضبِ الخديوي توفيق بمصر، والشاه بإيران، والإنجليز بالهند. وكان بعدَ ذلك مستهدَفاً لكل الأنظمة الجائرة في بلاد الإسلام قاطبة، لكونه زعيم المسلمين وداعية من أكبر دعاة الحرية.

وكانت مجلة العروة الوثقى، التي تولّى إصدارها بمشاركة محمد عبده له بباريس، الصحيفة الذائعة، الناشرة لآرائه، والداعية إلى نهضة العالم الإسلامي واتحاده، وإلى الثورة على الاستعمار أين كان. وقد سارت على نهج العروة الوثقى مجلة ضياء الخافقين التي كانت تصدر عنه باللغة العربية والإنجليزية أيام إقامته ببريطانيا.

أيقن السيد جمال الدين الأفغاني بتسلّط القوى الاستعمارية، وحِقدها وتهديدها لدولة الخلافة، ولسائر البلاد الإسلامية والعربية. وكان أولَ من آمن بسيطرة الغرب على الشرق الإسلامي، وكانت نظرتُه متفحّصة، دقيقة وواقعية، فتمثل عواقب ذلك فيما إذا طال عهدها وامتد سلطانها، وأدرك شؤم المستقبل وما سينزل بساحة الإسلام والمسلمين من النوائب الكبرى إذا هم رضوا بالمهانة وسكتوا عن الظلم. ودَفَعَه إيمانه بالقضية الإسلامية إلى تحريك العقول وإلهاب العواطف، والتأكيد على مراجعة النفوس وعلاجها وتنقيتها من أسباب الضعف والوهن، وتوجيهِها إلى أسباب القوة، معلناً بين أنصاره: "إنه متى ضعف ما كان سبباً في الصعود يحصل الهبوط والانحطاط، وإنه متى زال ما كان سبباً للسقوط يحصل الصعود" (١).


(١) جدعان. الحياة الفكرية للعالم الإسلامي: ١٥٣ - ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>