للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمضي الجويني في الرد على مقالة الأشاعرة بقوله: والذي يوضح ما ذكرناه أنهم مع اختلاف مذاهبهم، في مواقع الظنون، ومواضع التحرّي، ما كانوا ينكرون أصل الاجتهاد والرأي، وإنّما كان بعضهم يعترض على بعض ويدعوه إلى ما يراه هو. ولو كان الاجتهاد حائداً عن مسالك الشريعة لأنكره منهم منكر. وإذا لاح المعنى فترديد العبارات عنه هيِّن (١).

وبيّن الإمام الأكبر محل النزاع في هذا الموضوع قائلاً: ويترجّح عندي أن هاته المسألة اقتضاها طرد الأصول في المناظرة. فإن الأشاعرة لما أنكروا وجوب فعل الصلاح والأصلح أورد عليهم المعتزلة أو قدّروا هم في أنفسهم أن يورد عليهم أن الله تعالى لا يفعل شيئاً إلا لغرض وحكمة. ولا تكون الأغراض إلا لمصالح، فالتزموا بأن أفعال الله تعالى لا تناط بالأغراض ولا يعبّر عنها بالعلل (٢). وينبئ عن هذا أنهم لما ذكروا هذه المسألة ذكروا في أدلتهم الإحسان للغير ورعي المصلحة وهناك سبب آخر لفرض المسألة وهو التنزه عن وصف أفعال الله تعالى بما يوهم المنفعة له أو لغيره وكلاهما باطل لأنه لا ينتفع بأفعاله، ولأن الغير قد لا يكون فعل الله بالنسبة إليه منفعة.

وزاد ابن أبي الشريف بياناً لموقف الأشاعرة وَرَدَّ عليه بقوله: إنا لا نزال نسائلهم عن معنى قولهم (المعتزلة): إنه وجب لفائدة الخلق، ويطلق عليه عندنا أنه تعليل، وأن الحكم المعلل هو الوجوب. ونحن نطالبهم بتفهيم الحكم وبيانه.


(١) البرهان: ٢/ ٤٩٩ - ٥٠٠، ف ٧١١ - ٧١٢.
(٢) التحرير والتنوير: ١/ ٣٨٠ - ٣٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>