للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأردف ابن عاشور بعد تقرير مذهبه في القول بالتعليل بأن تعليل الأحكام ضرورة خاصة في المعاملات. وبعد أن كان اختيار الفقهاء هو الاقتصار في الاستدلال على ألفاظ الكتاب والسُّنة وأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكوته والإجماع، انتبهوا إلى أن مِن تلك الأحكام ما هو كلّي كقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (١)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار"، ومنها ما هو جزئي كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أمسك يا زبير".

وللتوصّل إلى مختلف الأحكام بأنواعها يذكر الشيخ طرائق الفقهاء في انتزاع الفروع؛ فهو إما يكون بطريق تحقيق المناط فتكون الأحكام المستنبطة كلّية، وإمّا بطريق القياس فتكون الأحكام جزئية على تفاوت بين الملحقات بسبب ظهور الأوصاف التي بها الشبه، وبسبب خفائها لتفاوت مسالك العلّة من جانب آخر. وبهذا تظهر المعلّلة والتعبّدية. فالأولى هي ما كثر الحديث فيها والتفصيل لها في كتب الأصول والفقه، والثانية هي ما ثبت عن الشارع موقَناً به، ولا يقف المجتهد على مراد الشارع منه لخفائه (٢).

يرى الشيخ ابن عاشور في قضية التعليل أنها تُحدّد بذكر مدى حصولها في مختلف الأحكام العبادية وأحكام المعاملات. والأصل المتعارف عليه بين فقهاء المذاهب هو اعتبار العبادات قائمة على التعبّد، وهو غيرُ معقولية المعنى. ثبت هذا بالاستقراء. فمن يتتبع الأحكام الشرعية الدينية في العبادات مثل الوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج، في أوصافها وكيفياتها وشروطها وأوقاتها يعلم أنها لا تُدرك مناسباتها ولا تُعرف الدواعي إليها إلا على وجه الإجمال.


(١) سورة المائدة، الآية: ١.
(٢) المقاصد: ١٤٨ - ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>