للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رثيته بالنثر لأني لست الآن بناثر، رثيته بالوجدان والشعور لأنني إنسان أشعر وأفكّر" (١).

بدأ محمد عبده حياته العلمية العملية بالتدريس للعقائد بالأزهر، وتدريس التاريخ بمدرسة دار العلوم والألسن. ودرّس بعد ذلك بالمدرسة السلطانية ببيروت التوحيد، ونهج البلاغة المنسوب للإمام علي، وديوان الحماسة لأبي تمام، والاشارات لابن سينا، وكتاب التهذيب في المنطق، ومجلة الأحكام العدلية، وبعد عودته إلى مصر تصدّر من جديد بالأزهر، وألقى مجموعة دروسه في التفسير التي استمرت ستة أعوام. وقد تولّى في الأثناء - كلّما رغبت السلطة في إبعاده عن القاهرة أو قرّرت إقصاءه عن التدريس - وظائف كثيرة هامة. فعُيّن أولاً عضواً بالمجلس الأعلى للمعارف العمومية بمصر، ثم وُلِّي قاضياً بمحكمة بنها، ونُقل منها إلى محكمة الزقازيق فمحكمة عابدين. ثم عُيّن مستشاراً لمحكمة الاستئناف، حتى اختاره خديوي مصر ٢٢ محرم ١٣١٧/ ٣ يونيو ١٨٩٩ مفتياً للديار المصرية. هذا وقد كان التدريس ألذَّ شيء وأمتعَه إليه.

وحين أخذت الأعمال السياسية والتنظيمات من وقته زمناً ليس بالقصير، تعاون في أول الأمر مع أستاذه الأفغاني في حركة العروة الوثقى، وشاركه في إصدار المجلة المتحدّثة بلسانهما، وكتب المقالات الكثيرة فيها، ودخل معه الحزب الوطني، كما صار له ضلع في ثورة عرابي. وكان لهذا الاتجاه أثرُه، ولهذا التعليم أتباعُه. وتعدّدت فروع العروة الوثقى وانتشرت بأطراف البلاد، وأصبح لها ممثلون في كثير من العواصم العربية. وممّن انتسب إليها بتونس في تلك الفترة ثُلةٌ من أعلام


(١) محمد عمارة. الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده: ١/ ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>