للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القولَ بأن القياس الفقهي يفيد حكماً زائداً؛ لأن آليته أساسُها حمل ما لم يرد فيه نص على ما ورد فيه نص، أو ربطُ جزء بجزء لعلّة أو شبَهٍ بينهما. وفي هذا تجاوز للنص وتحكّمٌ، نتيجتُه إضافة شرع جديد. وحجة الظاهرية على هذه الدعوى قول الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (١)، والشريعة الإسلامية كاملة ليست في حاجة إلى إضافات كيفما كانت أشكالها وصورها وأساميها ما لم يكن لها أساس في النص نفسه. ولهذا قالوا: إن الدليل لا كالقياس لا يمثل إضافة شرع جديد إلى الشرع، بل هو إضفاء للمعقولية عليه وإخراج لما هو مضمّنٌ فيه (٢).

وسبق إلى تحرير هذا الرأي الإمام ابن القيم في حديثه عن شمول نصوص الشريعة وغناها عن القياس، بانياً رأيه على مقدمتين: الأولى أن دلالة النصوص نوعان: حقيقية وإضافية. فالحقيقية تابعة لقصد المتكلم وإرادته وهذه الدلالة لا تختلف. والإضافية تابعة لفهم السامع وإدراكِه، وجودةِ فكره وقريحته، وصفاء ذهنه ومعرفه بالألفاظ ومراتبها. وهذه الدلالة تختلف اختلافاً متبايناً بحسب تباين السامعين في ذلك (٣).

وتعرض لمثل هذا الأصوليون. قال الشوكانى: إن نفاة القياس لم يقولوا بإهدار كل ما يسمى قياساً، وإن كان منصوصاً على علّته، أو مقطوعاً فيه بنفي الفارق، بل جعلوا هذا النوع من القياس مدلولاً عليه بدليل الأصل مشمولاً به، مندرجاً تحته. وبهذا يهون عليك الخطب، ويصغر عندك ما استعظموه، ويقرب لديك ما أبعدوه؛ لأن


(١) سورة الأنعام، الآية: ٣٨.
(٢) سالم يفوت. ابن حزم والفكر الفلسفي: ١٥٤ - ١٥٧.
(٣) إعلام الموقعين: ١/ ٣٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>