للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك: قال ابن عبد السلام: وأما مصالح الدارين فلا تُعرف إلّا بالشرع وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح. وأما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات. فإن خفي شيء من ذلك طُلب من أدلته. ومن أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحَهما ومرجوحهما، فليعرض ذلك على عقله بتقدير أن الشرع لم يَرِد به. ثم يبني عليه الأحكام. فلا يكاد حُكم منها يخرج عن ذلك إلا ما تعبّد الله به عباده، ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته (١). وهذا مما سبق الإلماع إليه في مبحث التعليل والتعبّد (٢).

ويتصل بهذه القاعدة أن من المصالح والمفاسد ما لا يدركه إلا كل ذي فهم سليم وطبع مستقيم، يعرف بهما دِقَّ المصالح والمفاسد وجُلَّهما، وأرجحَهما من مرجوحهما. وتفاوت الناس في ذلك على قدر تفاوتهم فيما ذكرته. وقد يغفل الحاذق الأفضل عن بعض ما يطلع عليه الأخرق المفضُول، ولكنه قليل (٣).

ولا يقف تنويع المصالح والمفاسد عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى صور أخرى يوجبها الأخذ ببعض الملاحظات أو الأسباب، ثم الحرص على نوط تلك الأحكام بالحِكَم والعلل، ظاهرة كانت أم خفيّة. ومن هذا القبيل ما أورده الشيخ ابن عاشور في نهاية فصل الرخصة نقلاً عن العز بن عبد السلام من المستثنيات من القواعد الشرعية في المعاوضات:


(١) المقاصد: ٢١١؛ القواعد: ١/ ١٠.
(٢) المقاصد: ١٤٨ وما بعدها.
(٣) القواعد: ٢/ ١٨٩؛ المقاصد: ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>