الفروق (١)، بموضوع التمييز بين قاعدة المسكرات، وقاعدة المرقّدات، وقاعدة المفسدات، مبيناً كل واحدة منها بقوله: فإن المتناول من هذه، أي من الثلاثة، إما أن تغيب عنه الحواس أَوْ لَا، فإن غابت معه الحواس فهو المرقد، وإن لم تغب عنه فلا يخلو إما أن يحدثَ عنه نشوةٌ وسرورٌ وقوةُ نفس عند غالب المتناول له أَوْ لَا، فإن حَدَثَ ذلك فهو المسكِر وإلا فهو المفسد. فالمسكر هو المغيّب للعقل مع نشوة وسرور كالخمر ونحوها، والمفسد هو المشوش للعقل مع عدم السرور الغالب كالبنج. اهـ.
وقد استنتج من هذه التعريفات أن الحشيشة مفسدة وليست بمسكرة، وأن الخمر والمسكرات لا تكاد تجد أحداً ممن يشربها إلا وهو نشوان. فالحشيشة عند القرافي من المفسدات وليست من المسكرات، لم يوجب فيها الحدَّ، ولا أبطل بها الصلاة، بل اكتفى بالتعزير الزاجر عن ملابستها. وهكذا فرّق بين العقوبات منبّهاً إلى أن المسكرات تنفرد عن المرقدات والمفسدات بثلاثة أحكام هي: الحد والتنجيس وتحريم اليسير، والمرقدات والمفسدات لا حد فيها ولا تنجيس، ويجوز تناول اليسير منها.
وذكرَ الشيخ ابن عاشور من هذا أمثلةً أخرى تتصل بالسحر والساحر، وبالتدخين، وبشرب القهوة، منتهياً إلى ضبط قواعد لا بد من الالتزام بها في الحكم والفتوى. قال:
إن من حق الفقيه أن ينظر إلى الأسماء الموضوعة للمسمى أصالة أيام التشريع، وإلى الأشكال المتطوّرة عند التشريع، من حيث