للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذلك قوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (١)، وقوله - عز وجل -: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} (٢)، والدليل القطعي الآخر، الثابت من بدء الخليقة، بَعثُهُ سبحانه الرسلَ بشريعته إلى الأمم وإِلى العالمين كافة. قال جل وعلا: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (٣). وأعظم الشواهد على هذا دلائل ذلك الخلق الإلهي خلق الله الإنسان قابلاً للتمدن، ووضعُه الشرائعَ له، يَختصِر له بذلك الطريق، ويوجّهه إلى الذي هو أهدى.

وجاء الرسل بما جاؤوا به من خير وهدى، ونور وتشريع، يُعينُ البشرَ الذي استخلفه الله في الأرض على تحمل أعباء الخلافة فيها، وبما يساعد الناس من توجيهات، وما يحدّده لهم من مسارات في كل أعمالهم. فيدفعهم ذلك في كل حركة وحين إلى اجتلاب المصالح لهم، ودرء المفاسد عنهم، وعمن حولهم من المجتمعات.

وهكذا أنزل سبحانه من آيات الذكر الحكيم، وجاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصوص السُّنة الصحيحة، تكشف كلها عن مقاصد الشارع من تشريعاته، وتبيّن أن هذا الإنسان هو الذي كرّمه الله على غيره، وأولاه ما رفع به منزلته من ولاية سامية، خصّه بها دون سواه، حين قال عزّت كلمته وجلّت قدرته: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} (٤). والخليفة هنا هو من يخلف صاحبَ الشيء في تصرُّفه في مملوكاته. والخليفة هو آدم - عليه السلام - وهو من تحققت خلافته بقيامه بتنفيذ مراد الله تعالى من تعمير الأرض، وتلقين ذريّته قصدَ الله تعالى من خلق هذا العالَم. وممّا يقتضيه هذا التصرّف


(١) سورة المؤمنون، الآية: ١١٥.
(٢) سورة الحجر، الآية: ٨٥.
(٣) سورة الحديد، الآية: ٢٠.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>