للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} (١)، وقوله: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (٢). ولا تطلق الطيبات على الأفعال الحسنة لأن هذه سميت بالمعروف؛ والمأكولات ليس للعقل حظ في التمييز بين مقبولها ومرفوضها، وإن كان يفرق تفريقاً بيّناً بين الأفعال الحسنة والقبيحة أي بين المعروف والمنكر.

وبجانب هذا الاستدلال على الاختلاف بين المأكولات وما يأتيه الإنسان من أعمال، يفسر الشيخ معنى الطيِّب ومعنى الخبيث في المأكولات، توصّلا إلى بيان مدلوليهما وبيان الحكم الشرعي المتعلق بهما من حلّ وحرمة.

فالطيِّب ما لا ضرَر فيه ولا وخامة ولا قذارة. وهو المباح والحلال، والخبيث ما أضر أو كان وخيم العاقبة أو مستقذراً لا يقبله العقلاء، وهو الحرام من المأكولات.

وملاك الأمر في هذا الرجوع إلى طبيعة المأكولات وأوصافها في ذاتها لا إلى تحكم العادات. وقد يرجع إلى العادات فتدخل فيما يشاؤونه من المباح لا غير.

وبعد هذا البيان لإباحة الطيبات وتحريم الخبائث، والأخذ بطبيعة وأوصاف المأكولات لا بالعادات، لا يصحّ بحال أن يحجّر طعام على قوم لأجل كراهية غيرهم له، أو تقذّر عادة قوم منه. وقد يتساءل الناس عن العادات واختلافها فنذكر في غير إطناب أن فَقْعَس كانت تأكل الكلب، وأن جُرْهُم كانت لا تأكل الدجاج، وأن قريشاً لا تأكل الضب، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد على مائدته ضباً فلم يطعمه


(١) سورة البقرة، الآية: ١٦٨.
(٢) سورة المائدة، الآية: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>