الحيلولةُ دون أن يُصبح الورثة بما حرموه عالة يتكفّفون الناس. وفي هذا إضرار بهم. وهو منهي عنه بصريح القرآن في قوله - عز وجل -: {غَيْرَ مُضَارٍّ}(١). وقد فصّل صاحب الكشف أنواع الإضرار بقوله: ويظهر أن ملاك جواز الوصية هو ما لا يضرّ بالورثة من تركهم في حاجة، أو قصدُ حرمانهم وإبعادهم عن ماله، كما يفعل بعض المغرضين، إلا أن ضبط ذلك ليس بالأمر السهل. فلعل عُسرَ انضباطه هو الذي حمل العلماء على المصير إلى إشارة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع اعتبار المال في حالة المرض المخوف قد صار فيه حق الوارث. وسماح الوارث بحقه متفاوت بتفاوت سخاء النفوس.
ومن هذا الحديث نشأت أحكام أخرى هي:
أولاً: أن تكون الوصية بالثلث لا تزيد عليه جائزة في حال فقر الوارث، وهذا الحكم محل وفاق بين العلماء.
ثانياً: إذا كان الزائد على الثلث محتملاً ومتفاوتاً ألغى الفقهاء تفاوته وتفاوت أحوال الورثة لعسر الانضباط.
ثالثاً: اعتبار باب إجازة الوارث مفتوحاً يتحقق به مقدار سماح الوارث، غير أن الظاهرية قالت بإبطال ما زاد على الثلث. وهذا من الخطأ البيّن.
ومن المقاصد الشرعية في إجازة الوصيَّة ما هو معلوم عند الكافّة من أن النظام البشري قائم على أواصر كثيرة. أعلاها منزلة آصرة القرابة والزوجية. فكان هذا موجباً لانتقال مال الميت بعده إلى هذه العناصر من أسرته، تأكيداً لتلك الروابط ودعماً لها.