للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين منه. يشهد لهذا قوله سبحانه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (١).

وفي المعاملات الحقوقية كالبيوعات والجنايات وأحكام الحنث في الطلاق ونحوها بُنيت الأحكام على اعتبار الواقع دون الأوهام والتخيّلات. يفسّر هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه: "أرأيت إن منع الله الثمرة، فَبِمَ يأخذ أحدكم مال أخيه؟! " (٢). وهذا مجرى للقياس عند وجود صور وقضايا لم يُعيّن لها حكم، ولكنها تَتَّحد مع ما فيه حكم في العلّة. وهذا أصل شرعي لم تخالف فيه إلا الظاهرية والباطنية. واعتبر الأئمة القضاء بما ينافي الحق جوراً. وحذر من ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ. ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع. فمن قضيت له بحق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقتطع له قطعةً من نار" (٣). ومثل هذا ورد في الفتوى في قوله: "استفتِ قلبك وإن أفتاك الناس" (٤).

وكما حُملت الأحكامُ على التزام الواقع إذا كان حقاً، انبنت أحكام الحقوق على اعتبار الواقع ملغىً وغيرَ معتدّ به، إذا كان هذا الواقع عائداً على مقاصد الشريعة بالإبطال ولغَزْلها بالانتقاض. ذلك أن الشريعة الإسلامية عارضت ما سوى الحق فنقضته وأبطلته وأسمته


(١) سورة البقرة، الآية: ٢١٧.
(٢) انظر المقاصد: ١١٧/ تع ١، ٢.
(٣) انظر المقاصد: ٥٢٠/ تع ١.
(٤) حَم: ٤/ ٢٢٧، ٢٢٨؛ دَي: ٢/ ٥٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>