في حاجة أكيدة إلى الاستدلال. نجد ذلك مبثوثاً في تفسيره التحرير والتنوير، وفي النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح، وفي كشف المغطى من المعاني والألفاظ في الموطأ، وكتاب أصول النظام الاجتماعي في الإسلام. وربما وجدناه يؤكد هذه الاستدلالات كلما تطرق إلى الموضوع نفسه أو عاد إلى تناوله من جديد في أحد كتبه أو مقالاته، ملخِّصاً مرة، ومستدركاً أخرى ما يعِنّ له من الاستدلال لبعض المعاني أو الاستعمالات أو المقاصد.
والشيخ الإمام كغيره من علماء الشريعة كان يشعر بالحاجة الأكيدة إلى الاستدلال على الأحكام الشرعية التي أقرّها السلف الصالح أو المجتهدون أو الفقهاء، وهو يعتمد كثيراً على علمي الأصول والمقاصد. ذلك أنهما متشاكلان ومستحوذان على اتجاهه في تحريراته وتقريراته. فكانت استدلالاته راجعة إلى مقاصد الشريعة التي جاء بها الخطاب الشرعي، وإلى المقاصد التي دل عليها أئمة الفقه عند استنباطهم الأحكام الشرعية.
وموضوعات النظر كانت لديه فسيحة جداً تتناول قضايا العبادات بأنواعها، ومباحث الأطعمة والذبائح ما كان منها على الإباحة وما ورد فيها من نهي أو تحريم أو رخصة، وخص ببيانات دقيقة جداً موضوعات الأسرة وأواصرها وضبط التصرّفات الزوجية، ثم الطلاق والظهار والإيلاء والوصايا. ولم يَغفل، بحكم ارتباطه بنصوص القرآن والسُّنة، عن دراسة المعاملات المالية ومعاملات الأبدان، وما تولد عنهما من أنظار في مسائل عدة، كما عني بوجه خاص بمقاصد الشريعة في تلك التصرّفات، وما يرتبط بها من قضايا عامة وخاصة، ومن تعليل للممنوعات، وما يتصل بها من أحكام.