للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رواية: «ومنبرى على ترعة من ترع الجنة» وأصل الترعة الروضة على المكان المرتفع خاصة، فإذا كان فى المطمئن فهى روضة. ولم يختلف أحد من العلماء أنه على ظاهره وأنه حق محسوس موجود، فإن القدرة صالحة لا عجز فيها، وكل ما أخبر به الصادق- صلى الله عليه وسلم- من أمور الغيب فالإيمان به واجب.

[* ومنها أن ما بين منبره وقبره روضة من رياض الجنة،]

رواه البخارى بلفظ «ما بين بيتى ومنبرى» وهذا يحتمل الحقيقة والمجاز.

أما الحقيقة: فبأن يكون ما أخبر عنه- صلى الله عليه وسلم- بأنه من الجنة مقتطعا منها، كما أن الحجر الأسود منها «١» ، وكذلك النيل والفرات من الجنة «٢» ، وكذلك الثمار الهندية من الورق التى هبط بها آدم- عليه السّلام- من الجنة، فاقتضت الحكمة الإلهية أن يكون فى هذه الدار من مياه الجنة، ومن ترابها، ومن حجرها، ومن فواكهها، حكمة حكيم جليل.

وأما المجاز: فبأن يكون من إطلاق اسم المسبب على السبب، فإن ملازمة ذلك المكان للصلاة والعبادة سبب فى نيل الجنة، قاله ابن أبى جمرة، وهو معنى قول بعضهم: لكون العبادة فيه تؤول إلى دخول العابد روضة الجنة. وهذا فيه نظر: إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة على غيرها.

وفى كتاب «بهجة النفوس» لابن أبى جمرة أيضا حكاية قول: أن تلك البقعة تنقل بعينها فتكون من الجنة، يعنى روضة من رياضها. قال: والأظهر الجمع بين الوجهين مما يعنى احتمال كونها تنقل إلى الجنة، وكون العمل فيها يوجب لصاحبه روضة فى الجنة، ويأتى مزيد لذلك- إن شاء الله تعالى- فى فضل الزيارة من المقصد الأخير- إن شاء الله تعالى-.


(١) صحيح: والحديث أخرجه الترمذى (٨٧٧) فى الحج، باب: ما جاء فى فضل الحجر الأسود والركن والمقام، والنسائى (٥/ ٢٢٦) فى المناسك، باب: ذكر الحجر الأسود، وأحمد فى «المسند» (١/ ٣٠٧ و ٣٢٩ و ٣٧٣) ، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن النسائى» .
(٢) صحيح: وقد ورد ذلك فى حديث طويل أخرجه البخارى (٣٢٠٧) فى بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، من حديث أنس- رضى الله عنه-.