للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ففى هذا: أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصم الدهر كله، ولا قام الليل كله، وكأنه ترك ذلك لئلا يقتدى به فيشق على الأمة، وإن كان قد أعطى من القوة ما لو التزم ذلك لاقتدر عليه، لكنه سلك من العبادة الطريقة الوسطى، فصام وأفطر، وقام ونام.

[الفصل الثانى فى صومه ص عاشوراء]

وهو بالمد على المشهور. واختلف فى تعيينه: فعن الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس- وهو متوسد رداءه فى زمزم- فقلت له: أخبرنى عن صوم عاشوراء، فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما، قلت: هكذا كان محمد- صلى الله عليه وسلم- يصومه؟ قال: نعم «١» . رواه مسلم.

قال النووى: هذا تصريح من ابن عباس بأن مذهبه بأن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، ويتأوله على أنه مأخوذ من أظمأ الإبل، فإن العرب تسمى اليوم الخامس من أيام الورد ربعا، وكذا باقى الأيام على هذه النسبة، فيكون التاسع عاشرا. انتهى.

لكن قال ابن المنير: قوله: «إذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائما» يشعر بأنه أراد العاشر، لأنه لا يصبح صائما بعد أن أصبح صائما تاسعه إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة، وهى الليلة العاشرة. انتهى. وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وممن قال ذلك: سعيد بن المسيب، والحسن البصرى، ومالك وأحمد وإسحاق، وخلائق. وهذا ظاهر الأحاديث، ومقتضى اللفظ، وأما تقدير أخذه من الإظماء فبعيد، ثم إن حديث ابن عباس يرد عليه معنى قوله: إن النبى- صلى الله عليه وسلم- صام يوم عاشوراء فقالوا له يا رسول: يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم


(١) صحيح: أخرجه مسلم (١١٣٣) فى الصيام، باب: أى يوم يصام فى عاشوراء، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.