القرآن، ومن تتبع الكتاب والسنة رأى من ذلك العجب العجاب، ولما ساوى الله سبحانه وتعالى بين الناس فى حرص رسوله- صلى الله عليه وسلم- على إسلامهم، خص المؤمنين برأفته ورحمته لهم.
وقال تعالى: مِنْ أَنْفُسِكُمْ «١» ولم يقل: من أرواحكم، فقيل يحتمل أن يكون مراده: أنه منا بجسده المنفس، لا بروحه المقدس، ويرحم الله القائل:
إذا رمت مدح المصطفى شغفا به ... تبلد ذهنى هيبة لمقامه
فأقطع ليلى ساهر الجفن مطرقا ... هوى فيه أحلى من لذيذ منامه
إذا قال فيه الله جل جلاله ... رؤوف رحيم فى سياق كلامه
فمن ذا يجارى الوحى والوحى معجز ... بمختلفيه نثره ونظامه
[تنبيه:]
أما قول القاضى عياض بعد ذكره الآية:
«ثم وصفه بعد بأوصاف حميدة، وأثنى عليه بمحامد كثيرة، من حرصه على هدايتهم، ورشدهم وإسلامهم، وشدة ما يعنتهم ويضربهم فى دنياهم وأخراهم، وعزته على ... » . فهو وإن كان المقصد صحيحا، ففى ظاهره شىء، لأنه يوهم أن قوله «وشدة ما يعنتهم» معطوف على متعلق المصدر الذى هو «الحرص» فيكون مخفوضا به.
ومما يقوى هذا التوهم قوة إعطاء الكلام، أن الضمير الأول من قوله «وعزته عليه» عائد على النبى- صلى الله عليه وسلم-، والضمير الثانى عائد على الله عز وجل، فلا تبقى «الشدة» إلا أن تكون معطوفة على متعلق المصدر. ولا يخفى ما فى هذا.
وقد تأوله بعض العلماء على حذف مضاف أى: وكراهة شدة ما يعنتهم، أو نحو ذلك من المضافات. والأولى- أو الصواب، إن شاء الله تعالى- أن تكون «الشدة» معطوفة على نفس المصدر الذى هو «الحرص»