للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عظيم، وسمى الدين خلقا لأن الخلق هيئة مركبة من علوم صادقة وإرادات زاكية وأعمال ظاهرة وباطنة موافقة للعدل والحكمة والمصلحة، وأقوال مطابقة للحق، تصدر تلك الأقوال والأعمال عن تلك العلوم والإرادات فتكتسب النفس بها أخلاقا هى أزكى الأخلاق وأشرفها وأفضلها. وهذه كانت أخلاقه- صلى الله عليه وسلم- المقتبسة من القرآن، فكان كلامه مطابقا للقرآن تفصيلا وتبيينا، وعلومه علوم القرآن، وإراداته وأعماله ما أوجبه وندب إليه القرآن، وإعراضه وتركه لما منع منه القرآن، ورغبته فيما رغب فيه، وزهده فيما زهد فيه، وكراهته لما كرهه، ومحبته لما أحبه، وسعيه فى تنفيذ أوامره، فترجمت أم المؤمنين- لكمال معرفتها بالقرآن وبالرسول، وحسن تعبيرها- عن هذا كله بقولها: «كان خلقه القرآن» ، وفهم السائل عنها هذا المعنى فاكتفى به واشتفى.

ولما وصفه تعالى بأنه على خلق عظيم قال: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ «١» أى فسترى يا محمد وسيرى المشركون كيف عاقبة أمرك، فإنك تصير معظما فى القلوب، ويصيرون أذلاء مغلوبين، وتستولى عليهم بالقتل والنهب.

[الفصل الثانى فى قسمه تعالى على ما أنعم به عليه وأظهره من قدره العلى لديه]

قال الله تعالى: وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى «٢» السورة. أقسم تعالى على إنعامه على رسوله- صلى الله عليه وسلم- وإكرامه له وإعطائه ما يرضيه، وذلك متضمن لتصديقه له، فهو قسم على صحة نبوته، وعلى جزائه فى الآخرة، فهو قسم على النبوة والمعاد. وأقسم تعالى بايتين عظيمتين من آياته دالتين على ربوبيته ووحدانيته، وحكمته ورحمته، وهما الليل والنهار، وفسر بعضهم- كما حكاه الإمام فخر الدين- الضحى بوجهه- صلى الله عليه وسلم- والليل بشعره، قال: ولا استبعاد فيه.

وتأمل مطابقة هذا القسم، وهو نور الضحى الذى يوافى بعد ظلام


(١) سورة القلم: ٥، ٦.
(٢) سورة الضحى: ١- ٣.