للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر عن أبى عبد الله الساجى أنه كان فى بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فارهة، فكان فى الرقة رجل عائن قل ما نظر إلى شئ إلا أتلفه، فقيل لأبى عبد الله: احفظ ناقتك من العائن، فقال ليس له إلى ناقتى سبيل، فأخبر العائن بقوله، فتحين غيبة أبى عبد الله، فجاء إلى رحله فنظر إلى الناقة فاضطربت وسقطت، فجاء أبو عبد الله فأخبر أن العائن قد عانها وهى كما ترى. فقال: دلونى عليه، فوقف عليه فقال: بسم الله حبس حابس، وحجر يابس، وشهاب قابس، رددت عين العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه، فارجع البصر هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير. فخرجت حدقتا العائن وقامت الناقة لا بأس بها» .

انتهى.

وفى حديث هذا الباب من الفوائد: أن العائن إذا عرف يقضى عليه بالاغتسال، وأن الاغتسال من النشرة النافعة، وأن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل الصالح، وأن الذى يعجبه الشئ يبادر إلى الدعاء للذى يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه، وأن الإصابة بالعين قد تقتل.

[عقوبة العائن:]

وقد اختلف فى جريان القصاص بذلك:

فقال القرطبى: لو أتلف العائن شيئا ضمنه، ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة، وهو فى ذلك كالساحر عند من لا يقتله كفرا. انتهى. ولم تتعرض الشافعية للقصاص فى ذلك، بل منعوه وقالوا: إنه لا يقتل غالبا ولا يعد مهلكا. وقال النووى فى «الروضة» : ولا دية فيه ولا كفارة، لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام، دون ما يختص ببعض الناس وبعض الأحوال مما لا انضباط لها، كيف ولم يقع منه فعل


(١) قلت: وقد ذكر أيضا هذه القصة ابن القيم فى «زاد المعاد» (٤/ ١٧٤) بتحقيقنا، ولم يعقب عليها.