للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهل تبطل صلاته أم لا؟ صرح جماعة من أصحابنا الشافعية وغيرهم:

أنها لا تبطل، وفيه بحث لاحتمال أن تكون إجابته واجبة مطلقا، سواء كان المخاطب مصليا أو غير مصل. أما كونه يخرج بالإجابة من الصلاة أو لا يخرج فليس فى الحديث ما يستلزمه، فيحتمل أن تجب الإجابة ولو خرج المجيب من الصلاة، وإلى ذلك جنح بعض الشافعية، والله أعلم.

[ومنها: أن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره]

، ومن كذب عليه لم تقبل روايته أبدا وإن تاب، فيما ذكره جماعة من المحدثين.

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن رجل عن سعيد بن جبير أن رجلا كذب على النبى- صلى الله عليه وسلم-، فبعث عليّا والزبير وقال: «اذهبا فإن أدركتماه فاقتلاه» «١» . ولهذا حكى إمام الحرمين عن أبيه أن من تعمد الكذب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكفر. لكن لم يوافقه أحد من الأئمة على ذلك. والحق أنه فاحشة عظيمة وموبقة كبيرة ولكن لا يكفر بها إلا إن استحله. وقال النووى: لم أر له فى أصل المسألة دليلا، ويجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظا وزجرا بليغا عن الكذب عليه- صلى الله عليه وسلم- لعظم مفسدته فإنه يصير شرعا مستمرا إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره والشهادة، فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة.

ثم قال: وهذا الذى ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف، مخالف للقواعد الشرعية. والمختار القطع بصحة توبته وقبول روايته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة.

قال: فهذا هو الجارى على قواعد الشرع، وقد أجمعوا على صحة رواية من كان كافرا فأسلم، قال: وأجمعوا على قبول شهادته، ولا فرق بين الشهادة والرواية فى هذا.

قال شيخنا: ويمكن أن يقال: فيما إذا كان كذبه فى وضع حديث وحمل


(١) مرسل: أخرجه عبد الرزاق فى «مصنفه» (٩٧٠٧) عن سعيد بن جبير مرسلا، كما فى إسناده رجل مجهول.