للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثانية مسببة عن الأولى، لا بمعنى أنه يسعى بالاستغفار فى إزالة الغين، بل بمعنى أن الغين أصل محمود، وهو الذى تسبب عنه الاستغفار، وترتب عليه، وهذا أنزه الأقوال وأحسنها لأن الغين حينئذ وصف محمود وهو الذى نشأ عنه الاستغفار، وعلى الأول يكون «الغين» مما يسعى فى إزالته بالاستغفار، وما ترتب الإشكال وجاء السؤال إلا على تفسير الغين بذلك، وأهل اللغة إنما فسروا الغين بالغشاء، فنحمله على غشاء يليق بحاله- صلى الله عليه وسلم-، وهو الغشاء الذى يصرف القلب ويحجبه عن أمور الدنيا، لا سيما وقد رتب على الغشاء أمرا محمودا وهو الاستغفار، فما نشأ هذا الأمر الحسن إلا عن أمر حسن، انتهى.

وذكر الشيخ تاج الدين بن عطاء الله فى كتابه «لطائف المنن» أن الشيخ أبا الحسن الشاذلى قال: رأيت النبى- صلى الله عليه وسلم- فى النوم فسألته عن هذا الحديث «إنه ليغان على قلبى» فقال لى: «يا مبارك: ذلك غين الأنوار، لا غين الأغيار» «١» .

القسم الثانى: ما اختص به- صلى الله عليه وسلم- مما حرم عليه:

[* فمنها: تحريم الزكاة عليه،]

وكذا الصدقة على الصحيح المشهور المنصوص، قال- صلى الله عليه وسلم-: «إنا لا نأكل الصدقة» «٢» رواه مسلم، ومن قال بإباحتها له يقول: لا يلزم من امتناعه من أكلها تحريمها، فلعله ترك ذلك تنزها مع إباحتها له، وهذا خلاف ظاهر الحديث. قال شيخ الإسلام ابن العراقى، فى شرح التقريب: وعلى كل حال ففيه أن من خصائصه- صلى الله عليه وسلم- الامتناع من أكل الصدقة إما وجوبا وإما تنزها، انتهى. والحكمة من ذلك: صيانة منصبه الشريف عن أوساخ أموال الناس.


(١) قلت: إن ديننا يؤخذ من الوحى، لا من المنامات، وبخاصة إذا كانت تخالف ظاهر الدين، خشية أن تكون من إلقاء الشيطان إلى النفس، وهو ما يكون غالبا، وليحذر المسلم الحقيقى من مثل هذه المنامات.
(٢) صحيح: أخرجه البخارى (١٤٩١) فى الزكاة، باب: ما يذكر فى الصدقة للنبى- صلى الله عليه وسلم-، ومسلم (١٠٦٩) فى الزكاة، باب: تحريم الزكاة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.