ورسوله مع وجود ما صدر عنه. وفيه الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر، لثبوت النهى عن لعنه، وثبوت الأمر بالدعاء له. وفيه أنه لا تنافى بين ارتكاب النهى وثبوت محبة الله ورسوله فى قلب المرتكب، وأن من تكررت منه المعصية لا تنزع منه محبة الله ورسوله. ويحتمل أن يكون استمرار ثبوت محبة الله ورسوله فى قلب العاصى مقيدا بما إذا ندم على وقوع المعصية، أو إذا أقيم عليه الحد، فكفر عن ذنبه المذكور، بخلاف من لم يقع منه ذلك فإنه يخشى بتكرار الذنب أن ينطبع على قلبه حتى يسلب منه ذلك الحب، نسأل الله العفو والثبات على محبته وسلوك سنته برحمته ومنّه.
تنبيه: قد اختلف العلماء، أيما أرفع درجة المحبة أو درجة الخلة؟
فحكى القاضى عياض: أن بعضهم جعلهما سواء، فلا يكون الحبيب إلا خليلا، ولا الخليل إلا حبيبا، لكنه خص إبراهيم بالخلة ومحمدا- صلى الله عليه وسلم- بالمحبة، وقال بعضهم: درجة الخلة أرفع واحتج بقوله- صلى الله عليه وسلم-: «لو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت أبا بكر»«١» فلم يتخذه وقد أطلق المحبة لفاطمة وابنيها وأسامة. انتهى.
وهذا هو الظاهر من المعنى الأخص، لأن المحبة مأخوذة من معنى الخلة، لكن يرد ما روى فى قصة الإسراء فى مناجاته- صلى الله عليه وسلم- لربه تعالى حيث قال له تعالى: يا محمد سل، فقال: يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمات موسى تكليما، فقال له تعالى: ألم أعطك خيرا من هذا.
إلى قوله: واتخذتك حبيبا، أو ما فى معناه، رواه البيهقى. بنحوه، وهذا يعطى أن درجة المحبة أرفع.
[فروق بين المحبة والخلة]
وقد احتج من قال بتفضيل مقام المحبة على الخلة بفروق كثيرة، ذكر القاضى عياض فى الشفاء منها نقلا عن الإمام أبى بكر بن فورك عن بعض المتكلمين نبذة:
(١) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (٤٦٧) فى المساجد، باب: الخوخة والممر فى المسجد، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-.