[الفصل الأول فى كمال خلقته وجمال صورته صلى الله عليه وسلم وشرفه وكرمه]
اعلم أن من تمام الإيمان به- صلى الله عليه وسلم- الإيمان بأن الله تعالى جعل خلق بدنه الشريف على وجه لم يظهر قبله ولا بعده خلق آدمى مثله، فيكون ما يشاهد من خلق بدنه آيات على ما يتضح لك من عظيم خلق نفسه الكريمة، وما يتضح من عظيم أخلاق نفسه آيات على ما تحقق له من سر قلبه المقدس، ولله در الأبوصيرى حيث قال:
فهو الذى تم معناه وصورته ... ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم
منزه عن شريك فى محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم
يعنى: حقيقة الحسن الكامل كائنة فيه، لأنه الذى تم معناه دون غيره، وهى غير منقسمة بينه وبين غيره، وإلا لما كان حسنه تامّا، لأنه إذا انقسم لم ينله إلا بعضه فلا يكون تامّا.
وفى الأثر: أن خالد بن الوليد خرج فى سرية من السرايا، فنزل ببعض الأحياء فقال له سيد ذلك الحى: صف لنا محمدا فقال: أما إنى أفصل فلا، فقال الرجل: أجمل، فقال: الرسول على قدر المرسل، ذكره ابن المنير فى أسرار الإسرار.
فمن ذا الذى يصل قدره أن يقدر قدر الرسول، أو يبلغ من الاطلاع على مأثور أحواله المأمول والمسئول؟!
وقد حكى القرطبى- فى كتاب الصلاة- عن بعضهم أنه قال: لم يظهر لنا تمام حسنه- صلى الله عليه وسلم-، لأنه لو ظهر لنا تمام حسنه لما أطاقت أعيننا رؤيته- صلى الله عليه وسلم-. ولقد أحسن الأبوصيرى أيضا حيث قال:
أعيى الورى فهم معناه فليس يرى ... للقرب والبعد فيه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعد ... صغيرة وتكل الطرف من أمم