للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانى: قوله- صلى الله عليه وسلم-: «كنت نبيّا وآدم بين الروح والجسد» «١» ، كنا نظن أنه بالعلم، فبان أنه زائد على ذلك، وإنما يفترق الحال بين ما بعد وجود جسده- صلى الله عليه وسلم- وبلوغه الأربعين، وما قبل ذلك بالنسبة إلى المبعوث إليهم وتأهلهم لسماع كلامه لا بالنسبة إليه ولا إليهم، لو تأهلوا قبل ذلك، وتعليق الأحكام على الشروط قد يكون بحسب المحل القابل، وقد يكون بحسب الفاعل المتصرف فها هنا التعليق إنما هو بحسب المحل القابل، وهو المبعوث إليهم وقبولهم سماع الخطاب والجسد الشريف الذى يخاطبهم بلسانه.

وهذا كما يوكل الأب رجلا فى تزويج ابنته إذا وجدت كفأ، فالتوكيل صحيح وذلك الرجل أهل للوكالة، ووكالته ثابتة، وقد يحصل توقف التصرف على وجود الكفء، ولا يوجد إلا بعد مدة، وذلك لا يقدح فى صحة الوكالة وأهلية الوكيل، انتهى.

[النوع الثالث فى وصفه له ص بالشهادة وشهادته له بالرسالة]

قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل- عليهما الصلاة والسلام- عند بناء البيت الحرام رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «٢» . فاستجاب الله دعاءهما، وبعث فى أهل مكة رسولا منهم بهذه الصفة من ولد إسماعيل الذى دعا مع أبيه إبراهيم- عليهما السلام- بهذا الدعاء. فإن قلت: من أين علم أن الرسول هنا المراد به محمد- صلى الله عليه وسلم-؟


(١) صحيح: وقد تقدم.
(٢) سورة البقرة: ١٢٧- ١٢٩.