الحديث صريح فى الدلالة لمذهب الشافعى وموافقيه: أنه يجوز لبس الحرير للرجل إذا كانت به حكة لما فيه من البرودة، وكذا للقمل وما فى معنى ذلك.
وقال مالك: لا يجوز، وهذا الحديث حجة عليه، انتهى. وتعقب قوله:«لما فيه من البرودة» بأن الحرير حار. والصواب: أن الحكمة فيه إنما هى لخاصية فيه تدفع الحكة والقمل.
وقال ابن القيم: وإذا اتخذ منه ملبوس كان معتدل الحرارة فى مزاجه، مسخنا للبدن، وربما برد البدن بتسمينه إياه. وقال الرازى: الإبريسم أسخن من الكتان وأبرد من القطن، يربى اللحم، وكل لباس خشن فإنه يهزل ويصلب البشرة، فملابس الأوبار والأصواف تسخن وتدفئ وملابس الكتان والحرير والقطن تدفئ ولا تسخن، فثياب الكتان باردة يابسة، وثياب الصوف حارة يابسة، وثياب القطن معتدلة الحرارة، وثياب الحرير ألين من ثياب القطن وأقل حرارة منه، ولما كانت ثياب الحرير ليس فيها من اليبس والخشونة كغيرها صارت نافعة من الحكة، لأن الحكة- كما قدمته- لا تكون إلا عن حرارة ويبس وخشونة، فلذلك رخص- صلى الله عليه وسلم- لهما فى الحرير لمداواة الحكة.
ذكر طبه صلى الله عليه وسلم- من السم الذى أصابه بخيبر:
تقدم فى غزوتها قصة اليهودية التى أهدت إليه الشاة المسمومة، وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن امرأة يهودية أهدت للنبى- صلى الله عليه وسلم- شاة مصلية بخيبر، فقال:«ما هذه؟» قالت: هدية، وحذرت أن تقول صدقة فلا يأكل. فأكل النبى- صلى الله عليه وسلم- وأكل أصحابه، ثم قال:«أمسكوا» ثم قال للمرأة: «هل سميت هذا الشاة؟» قالت من أخبرك؟ قال:«هذا العظم، لساقها» وهو فى يده، قالت: نعم قال:
«لم؟» قالت: أردت إن كنت كاذبا أن يستريح منك الناس، وإن كنت نبيّا لم يضرك. قال: فاحتجم النبى- صلى الله عليه وسلم- ثلاثا على كاهله «١» .
(١) أخرجه البيهقى فى «دلائل النبوة» (٤/ ٢٦٠- ٢٦١) من هذا الطريق، وهى فى «صحيح البخارى» (٣١٦٩) فى الجزية والموادعة، باب: إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-، بسياق آخر.