للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتحدى على وجه المعارضة. وعبر عنه بعضهم بقوله: دعوى الرسالة مع أمن المعارضة وهو أحسن من التعبير: بعدم المعارضة، لأنه لا يلزم من عدم المعارضة امتناعها. والشرط إنما هو عدم إمكانها. وقد خرج بقيد «التحدى» الخارق من غير تحد، وهو الكرامة للولى. وب «المقارنة» الخارق المتقدم على التحدى، كإظلال الغمام، وشق الصدر، الواقعين لنبينا- صلى الله عليه وسلم- قبل دعوى الرسالة، وكلام عيسى فى المهد، وما شابه ذلك مما وقع من الخوارق قبل دعوى الرسالة، فإنها ليست معجزات إنما هى كرامات، ظهورها على الأولياء جائز، والأنبياء قبل نبوتهم لا يقصرون عن درجة الأولياء فيجوز ظهورها عليهم أيضا، وحينئذ يسمى «إرهاصا» أى تأسيسا للنبوة كما صرح به العلامة السيد الجرجانى فى شرح المواقف، وغيره، وهو مذهب جمهور أئمة الأصول وغيرهم.

وخرج أيضا بقيد «المقارنة» المتأخر عن التحدى، بما يخرجه عن المقارنة العرفية، نحو ما روى بعد وفاته- صلى الله عليه وسلم- من نطق بعض الموتى بالشهادتين وشبهه، مما تواترت به الأخبار. وخرج أيضا ب «أمن المعارضة» السحر المقرون بالتحدى، فإنه يمكن معارضته بالإتيان بمثله من المرسل إليهم. واختلف: هل السحر قلب الأعيان وإحالة الطبائع أم لا؟ فقال بالأول قائلون، حتى جوزوا للساحر أن يقلب الإنسان حمارا. وذهب آخرون: إلى أن أحدا لا يقدر على قلب عين ولا إحالة طبيعة إلا الله تعالى لأنبيائه، وأن الساحر والصالح لا يقلبان عينا. قالوا: ولو جوزنا للساحر ما جاز على النبى فأى فرق عندكم بينهما؟ فإن لجأتم إلى ما ذكره القاضى أبو بكر الباقلانى من الفرق بالتحدى فقط قيل لكم هذا باطل من وجوه:

[وجوه بطلان دعوى اشتراط التحدي بالمعجزة]

[أحدها: أن اشتراط التحدى قول لا دليل عليه]

، لا من كتاب ولا من سنة، ولا من قول صاحب ولا إجماع، وما تعرى من البرهان فهو باطل.

الثانى: أن أكثر آياته- صلى الله عليه وسلم- وأعمها وأبلغها كانت بلا تحد

، كنطق الحصى، ونبع الماء، ونطق الجذع، وإطعامه المئين من صاع، وتفله فى العين،