للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الضنين، فإن من يجهل ما يجب للنبى- صلى الله عليه وسلم-، أو يجوز أو يستحيل عليه، ولا يعرف صور أحكامه لا يأمن أن يعتقد فى بعضها خلاف ما [هى] عليه، ولا ينزهه عما لا يجوز أن يضاف إليه، فيهلك من حيث لا يدرى، ويسقط فى هوة الدرك الأسفل من النار، إذ ظن الباطل به واعتقاد ما لا يجوز عليه يحل صاحبه دار البوار.

وقد استدل بعض الأئمة على عصمتهم من الصغائر، بالمصير إلى امتثال أفعالهم واتباع آثارهم وسيرتهم مطلقا. وجمهور الفقهاء على ذلك من أصحاب مالك والشافعى وأبى حنيفة فى غير التزام قرينة بل مطلقا عند بعضهم، وإن اختلفوا فى حكم ذلك، فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يكن الاقتداء بهم فى أفعالهم، إذ ليس كل فعل من أفعاله يتميز مقصده من القربة والإباحة والخطر والمعصية. انتهى.

[وجوه تفسير آية وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى]

واختلف فى تفسير هذه الآية على وجوه كثيرة:

[أحدها: وجدك ضالا عن معالم النبوة.]

وهو مروى عن ابن عباس والحسن والضحاك وشهر بن حوشب، ويؤيده قوله تعالى ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ «١» أى ما كنت تدرى قبل الوحى أن تقرأ القرآن، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان، قاله السمرقندى، وقال بكر القاضى: ولا الإيمان الذى هو الفرائض والأحكام، فقد كان- صلى الله عليه وسلم- قبل مؤمنا بتوحيده، ثم نزلت الفرائض التى لم يكن يدريها قبل، فازداد بالتكاليف إيمانا، وسيأتى آخر هذا النوع مزيد لذلك- إن شاء الله تعالى-.

[الثانى: من معنى قوله: (ضالا)]

ما روى مرفوعا مما ذكره الإمام فخر الدين: أنه- صلى الله عليه وسلم- قال: «ضللت عن جدى عبد المطلب وأنا صبى حتى كاد الجوع يقتلنى فهدانى الله» «٢» .

[الثالث: يقال: ضل الماء فى اللبن إذا صار مغمورا، فمعنى الآية:]

كنت مغمورا بين الكفار بمكة فقواك الله حتى أظهرت دينه.


(١) سورة الشورى: ٥٢.
(٢) لم أقف عليه.